مقالات للكاتب
كتب/ علي عبدالله البجيري
خلال الأيام القليلة الماضية، مرّت الذكرى الثانية على الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، منذ شهر فبراير (شباط) 2022.ولتعلن للعالم دخولها عامها الثالث، ومعها يشتد لهيبها. هكذا هي الحروب من السهل اشعالها لكن من الصعب اطفاءها اوحتى تحديد نهايتها. ففي الحرب تتنوع ادواتها وتتغير تكتيكاتها وفق ما تمليه مصالح من اشعلوها ومن يستفيدون منها.
سنتان مضت على الحرب الأوكرانية- الروسية، ختمتها موسكو بتحقيق انتصار إستراتيجي جزئي بالسيطرة على مدينة “Авдеевка أفدييفكا الاستراتيجية. هذا ما يجعلنا نتسائل عن ما إذا لم يحقق الدعم الغربي نتائج تذكر، وهل فعلا بداء ذلك الدعم بالانحسار، واقتناع دول الغرب بان الجيش الأوكراني لم يعد يستطيع الصمود . الواضح للمتابع إن مأزق دول حلف الناتو أكبر من ورطة الدولة الأوكرانية نفسها، هذا ما افصح به رئيسها فلاديمير زيلينسكي، معترفا بإن “الوضع في الشرق بات شديد التعقيد”، وان جيشه يواجه وضعاً معقداً جداً.
أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فقد عمد الى توجيه رسالة خاصة إلى دول “الناتو” مفادها إن روسيا قوية بما فيه الكفاية وإنها عصيّة على الهزيمة. هكذا جاءت رسالة بوتين من مدينة قازان عاصمة تتارستان، وهو محلق في الجو، ممتطيا القاذفةالاستراتيجية «تو 160 إم» ولمدة 40 دقيقة. تلك القاذفة التي يطلق عليها” البجعةالبيضاءБелый лебедь” لقدرتها على الطيران لمدة 25 ساعة بلا توقف ولمسافة 12 ألف كيلومتر، من دون أن تتزود بالوقود، مما يجعلها ان تصل الى اي بقعة في العالم في الوقت المحدد. كما أنها تمتلك قدرات تسليحية خارقة، إذ بإمكانها حمل 12 صاروخ كروز، أو 12 صاروخاً نووياً قصير المدى.
حقائق الوضع على الأرض الأوكرانية تقول إن أوكرانيا هي ضحية سياسات غربية غير مدروسة، وضحية مغامرات سياسيين عديمي الكفاءة سواء اوكرانيين أو شركاء غربيين. بينما في الجهة المقابلة، أظهرت موسكو أنها قادرة على وقف خطر توسع حلف الناتو على حدودها واظهرت قدرتها على الدفاع عن امنها القومي، رغم العقوبات الغربية المفروضة عليها.
من يقرأ تاريخ العلاقات الأوكرانية – الروسية، سيعلم بأن هذين البلدين السلافيين الجارين، اللذين يدينان بالديانة المسيحية الأرثوذكسية، ارتبطا منذ ألف عام بتشابك مصيريهما بشكل عضوي، ما يجعل الصراع اليوم أكثر مأساوية.
موسكو كررت دعوتها واستعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع كيف بهدف التوصل إلى تسوية «إذا سمح الناتو لأوكرانيا »، لكن الغرب الذي أفشل مفاوضات سابقة عام 2022م يريد أن تكون الحرب الأوكرانية حرباً مفتوحة يستطيع من خلالها استنزاف روسيا، وإضعافها، على أمل ضرب كيانها الداخلي وإقصائها عن محيطها ومستقبل مصالحها الاقتصادية.
ومن نتائج هذه الحرب لا يزال الاقتصاد الأوروبي يعاني الركود، وكذلك الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من التضخم، بينما يحقق الاقتصاد الروسي المزيد من النمو، إذ بحسب الخبراء، نما الناتج المحلي الإجمالي في روسيا لعام 2023 بنسبة 3.6 في المئة، وهي نسبة أعلى من معظم الدول الغربية، التي دخل بعضها في ركود.وهذا باعتراف صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إنه مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، فشلت الخطط الأمريكية لعزل روسيا؛ وأوضحت الصحيفة الأمريكية إن دولاً بارزة، مثل الصين والهند والبرازيل، عززت مكانة روسيا الاقتصادية.
الخلاصة: بعد عامين على الحرب الأوكرانية-الروسية، تقلصت الآمال بتحقيق نصر حاسم لأي من الأطراف، إلا أنها لاتزال تشكل منعطفاً لإعادة رسم خرائط النفوذ وموازين القوى، بما يُبقي الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات. ولعل تحليق الرئيس الروسي بوتين على”طائرة البجعة البيضاء ليس مجرد رحلة استعراضية “فالبجعةالبيضاء” هي واحدة من الأسلحة الاستثنائية كما تراها موسكو، ويتزامن عودتها إلى الأجواء مع إعلان الكرملين عن تحديث 95 في المئة من القوات النووية. الرئيس بوتين ليس استثناء فدروس التاريخ كثيرة “إنْ لم تكن ذئباً أكلتكَ الذئاب”، انها مؤشرات تحمل رسائل وتشائم للمستقبل وتطرح العديد من التساؤلات خاصة والحرب تدخل سنتها الثالثة.