سبب قوة الحوثيين وانقلابهم على السلطة في 21 سبتمبر 2014 يعود بالأساس إلى فشل القوى السياسية التي حكمت اليمن، خاصة بعد الوحدة.
المؤامرة التي قادها المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح للإطاحة بالحزب الاشتراكي والجنوب كانت العامل الرئيسي في هذه النكسة. تحالفات المؤتمر والإصلاح لم تكن وطنية، بل اعتمدت على تحقيق المصالح الشخصية والقبلية، حيث سعى كل طرف لإقصاء الآخر، وهو ما ظهر بوضوح بعد استبعادهم للاشتراكي واجتياحهم الجنوب والقضاء على مقومات الدولة فيه.
بعد حرب 1994، شعر حزب المؤتمر بقيادة علي عبدالله صالح بخطر جماعة الإخوان وتغلغلهم في الجنوب، فخطط لإقصائهم في انتخابات 1997 واستغل الحوادث الإرهابية لإغلاق المعاهد التي كانت بمثابة مراكز رئيسية لجذب الشباب إلى جماعة الإخوان. من ناحية أخرى، تحالف حزب الإصلاح مع الاشتراكي بعد أن كان يعتبره عدوه الأيديولوجي و”شيوعياً”، عندما شعر بخطر الإقصاء. وفيما بعد، تحالف مع الحوثيين في ما عرف بـ”ثورة الشباب”. وفي النهاية، جاء تحالف الانتقام بين علي عبدالله صالح والحوثيين، مما سمح لهم باجتياح صنعاء، وكان صالح شريكاً في اجتياح الجنوب مع الحوثي عام 2015.
التحالفات غير الوطنية بين الأحزاب أثبتت خطورتها، حيث يدفع الوطن والمواطن اليوم ثمناً باهظاً لغياب الحس الوطني عن تلك التحالفات. بدلاً من بناء الدولة وتحقيق مصالح الشعب، سعت الأحزاب إلى تحقيق مكاسب قبلية وحزبية وشخصية، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد.
ورغم أن الجميع دفع ثمن هذه الأخطاء، إلا أن القوى السياسية التي تسببت في هذه الكوارث ومكّنت الحوثيين لم تتعلم من أخطائها، بل استمرت في تكرار نفس الممارسات. وهذا ما تجلّى بعد تدخل التحالف العربي وإطلاق عملية “عاصفة الحزم” لدعم اليمنيين. فبدلاً من التكاتف لتحقيق الهدف المشترك، للقضاء على انقلاب الحوثي، استمرت تلك الأحزاب في انتهاج سياسة الانتقام والسعي للاحتكار السياسي على حساب القوى الجديدة الصاعدة. بل وسعت بعض الأطراف إلى إقصاء هذه القوى بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني إضعاف أبرز القوى التي هزمت الحوثيين في الجنوب، أو المساهمة في تفكيك التحالف العربي.
هذه القوى السياسية مطالبة اليوم بالخروج من دائرة الانتهازية والفشل، ومواجهة الواقع كما هو، عليها أن تتحرر من عقلية انتصار 1994 على الجنوب ومن شعارات ووهم 2011، لأن واقع اليمن قد تغيّر تمامًا.
استمرار هذا السلوك لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات والفشل، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الصف لمواجهة التحديات الكبرى.
كيف لمن امتلك ثورة وثروة ووحدة وشعباً، ثم أضاعها بانتهازيته، أن يبكي اليوم على ضياعها؟ هؤلاء أنفسهم هم من زرع بذور المأساة، وأسهموا بشكل مباشر في ما آلت إليه البلاد. واليوم، يتظاهرون بالندم والحسرة على ما فقدوه، بينما في الحقيقة هم السبب في الانهيار والفوضى التي عمت البلاد. ولا يعفيهم ذلك من مسؤولية ضياع الوحدة وسيطرة الحوثي على مقدرات البلاد والعباد وتشريد الشعب. إن البكاء على الأطلال لا يمحو الأخطاء التي ارتكبوها ولا يعفيهم من المسؤولية عن هذا الدمار الشامل.