مقالات للكاتب
د. ياسر اليافعي
في ظل تطورات دولية متسارعة، يبدو أن جماعة الحوثي باتت على أعتاب مرحلة جديدة من العزلة. التقارب الروسي الأميركي مؤخراً، وتحديداً فيما يتعلق بترتيب المصالح الجيوسياسية، قد يؤدي إلى توقف موسكو عن تقديم الدعم النوعي الذي كانت تضخه في قنوات الحوثي خلال السنوات الماضية، كرد فعل على الموقف الأميركي الداعم لأوكرانيا. هذا الدعم، الذي تمثل بشكل أساسي في مجالات تطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، مرشح للتوقف قريباً.
إلى جانب ذلك، تعيش إيران حالة من الترقب والقلق، خشية ضربة عسكرية محتملة باتت تقترب شيئاً فشيئاً. هذا التوتر قد يدفع طهران لتقليص دعمها للحوثيين، أو حتى التخلي عنهم مرحلياً للحفاظ على مصالحها الأوسع. هكذا يجد الحوثي نفسه أمام واقع سياسي معقّد، يفقد فيه داعميه الدوليين تباعاً.
وفي سياق موازٍ، ساهم القصف الأميركي المتواصل الذي يستهدف معسكرات الحوثيين ومخازن الأسلحة في تقليص قدراتهم اللوجستية بشكل كبير، حيث تشير معلومات ميدانية إلى أن الضربات أدت إلى تدمير كميات كبيرة من الذخائر والصواريخ. كما تسبب القصف في حالة من الهلع داخل صفوف الميليشيا، أدت إلى هروب أعداد كبيرة من عناصرها من المعسكرات، وامتناع الكثير من أولياء الأمور عن الدفع بأبنائهم إلى جبهات القتال، في ظل قناعة تتعاظم بأن المشروع الحوثي بات يترنح.
كل هذه المؤشرات تترافق مع حالة من الغضب الشعبي في مناطق سيطرة الميليشيا، نتيجة الانتهاكات المتكررة التي تمارسها الجماعة، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وانتشار الجوع والفقر في أوساط المواطنين، في ظل غياب أي أفق حقيقي للحل.
في هذا السياق، تتحمل قيادة الشرعية، لا سيما القيادات الشمالية، مسؤولية وطنية كبرى لتحرير مناطقهم من سيطرة الحوثي، واستعادة الدولة ومؤسساتها. الفرصة المتاحة اليوم قد لا تتكرر، والمطلوب هو تحريك الجبهات وتفعيل أدوات الضغط السياسي والعسكري، إلى جانب حشد الجهود الشعبية والمجتمعية لمواجهة المشروع الحوثي.
ولا تقتصر هذه الفرصة على الشرعية فقط، بل تشمل المملكة العربية السعودية، التي طالما كانت هدفاً مستمراً لاعتداءات الحوثي، ولا تزال تهديداته قائمة حتى اللحظة. من هنا، فإن من مصلحة الرياض دعم القوى المحلية المناهضة للحوثي، والمساهمة في توحيد الجبهة الداخلية، خاصة في المحافظات الجنوبية المحررة، من خلال تحصينها من الاختراقات والفتن الداخلية.
كما أن الدعم الاقتصادي، وتعزيز البنية التحتية والخدمات في المناطق المحررة، يمكن أن يخلق بيئة سياسية واجتماعية مواتية لأي تحرك قادم في الشمال، ويمهد لتغيرات أوسع على الأرض.
باختصار، الحوثي يقترب من العزلة، والتحولات الدولية تفتح نافذة نادرة لتحرير صنعاء. لكن هذه النافذة، لا تبقى مفتوحة طويلاً فهل تستغلها الشرعية وداعميها!