fbpx
الجنوب والعالم

كتب | د. قاسم المحبشي

أخذ الجنوب وشعب الجنوب   وقضيته العادلة  يحظى باهتمام عالمي وإقليمي متزايد الاضطراد عند الدول والشعوب والمجتمعات والمنظمات والهيئات الدولية المدنية والرسمية فضلا عن الدوائر الثقافية والإعلامية والبحثية وذلك  منذ أن أعلنت القوى الشمالية التقليدية المهيمنة الحرب التكفيرية الشاملة ضد الجنوب دولة وشعبا وأرض وتاريخ وهوية  في صيف عام 1994م، واجتياح عدن في 7 / 7 / 1994م، حتى الان اذ  أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي القرارين (924 – 931) أدانت فيهما الحرب، وطالبت بوقفها ودعت طرفي الصراع إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل الخلافات السياسية بالوسائل السلمية وعدم فرض (الوحدة) بالقوة العسكرية وحذرت من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كان ذلك في 1 / 6 – 29 / 6 من عام 1994م، وفي السياق ذاته جاءت دعوات جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وكثير من المنظمات والدول والهيئات الإقليمية والدولية، يا حبذا لو أن قيادات الحراك الجنوبي قامت بجمعها وفهرستها وتوثيقها وإعادة نشرها لما لذلك من أهمية للقضية الجنوبية وتعزيزها وقيمة معرفية وايديولوجية خاصة ، بل انني أدعو المعنيين بجمع كل الوثائق والادبيات التي تتعلق بالقضية باللغتين العربية والإنجليزية وفهرستها في مجلدات لما لذلك من تعزيز فرصها التفاوضية ، فنحن في عالم  وثائقي
تدويني كتابي لا ينصت للكلام الشفاهي بل يقراء الشواهد ويتحقق من الأدلة بالوثيقة المكتوبة والنصوص المدونة ، اما الكلام الشفاهي فيذهب ادراج الرياح ، ومن المفترض ان نتعظ من الدرس القاسي الذي حدث لنا في فخ التوحيد الرهيب  بدون وثائق وشروط وشهود وأدلة بل تمت العملية كلها بصفحة بياض واحدة بينما كانت وثيقة الوحدة الألمانية الاساسية  في ٤٥ الف صفحة من القطع الكبير فضلا عن الملحقات  والبيانات التي بلغت أضعاف مضاعفة ! ولسنا بحاجة الى التذكير بان ما تراكم من اثر مكتوب عن الجنوب وقضيته  يشكل مادة غنية ومهمة .
وعلى مدى السنوات المنصرمة من الغزو والتكفير والنهب والتدمير والاحتلال والقمع العسكري البشع لشعب لجنوب الصابر المقاوم  توالت الدراسات والتقارير الصادرة عن المنظمات والمراكز المتخصصة والمعنية مثل منظمة العفو الدولية التي أصدرت عشرات التقارير بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب، وما يحدث من جرائم ضد الإنسانية، وفي السياق ذاته جاء تقرير «هيومن رايتس واتش» في ديسمبر 2009م بعنوان «باسم الوحدة … رد الحكومة اليمنية الوحشي على احتجاجات الحراك الجنوبي» جاء في خلاصته:«بدأت أزمة خطيرة لحقوق الإنسان تتكشف في جنوب اليمن، مع رد قوات الأمن الحكومية على دعوات الانفصال بحملة قمعية عنيفة استهدفت الحراك الجنوبي.. وقد ارتكبت انتهاكات واسعة بالجنوبيين، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين وآخرين»هذا فضلا عن مواقف عدد واسع من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية ومراكز ومعاهد ومؤسسات الدراسات والأبحاث والأفراد من الدارسين والكـتاب الذين كتبوا عن الجنوب وقضية شعب الجنوب المنهوب منذ عام 1994م حتى الآن دون ان ننسى تقارير مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السفير جمال بن عمر ….الخ من البيانات والتصاريح والكتابات الصحفية من ممثلي الدول العشر المشرفة على الحالة اليمنية اليوم .  ويهمنا في هذه العجالة التركيز على تقريري  «مجموعة الأزمات الدولية» الاول صدر في 20 أكتوبر من العام 2011م تحت عنوان بالغ الدلالة «نقطة الانهيار.. قضية اليمن الجنوبي» في (45) صفحة باللغة الإنجليزية ترجم الى العربية مع  «الملخص التنفيذي والتوصيات»  وتقريرها الأخير الصادر ٢٥ سبتمبر بروكسل بعنوان دال هو الاخر هو ( قضية اليمن الجنوبي:تجنب الفشل ) ترجم الى العربية في ٢٣ صفحة مع الملاحق
ويحسن بنا أن نتعرف في البدء ولو بلمحة سريعة على المؤسسة البحثية  الدولية التي أصدرت هاذين التقريرين المهمين المثيرين للجدل لاسيما بعد ان اتضح لنا بالمتابعة والمقارنة ذلك الحضور الفعال والوزن الكبير الذي تحظى به التقارير الصادرة عن هذه المؤسسة البحثية الدولية .
 فمن هي مجموعة الأزمات الدولية ؟«انترناشيونال كرايسس جروب» تأسست في بروكسل عام 1995م وتمتلك مكاتب في معظم عواصم العالم، وتعد أهم مؤسسة بحثية متخصصة في القضايا الإستراتيجية العالمية، وهي مؤسسة مهنية مستقلة ذات شخصية اعتبارية غير ربحية وغير رسمية تتمثل مهمتها في منع حدوث صراعات وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال إجراء الدراسات الميدانية للقضايا والحالات الملتهبة الخطيرة والجديرة بالاهتمام والدرس والتحليل واقتراح الحلول والمعالجات الممكنة والناجعة لها.وهي المصدر العالمي الأول للتحليلات والمشورات المقدمة للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي والحكومات المختلفة للحؤول دون ظهور النزاعات الدموية وتسويتها.وقد ساهمت منذ تأسيسها في صناعة السياسات الدولية تجاه عدد من البلدان التي شهدت أزمات حادة مثل السودان وباكستان ورواندا وكوسوفو وإيران وفلسطين والصومال وغيرها من الدول التي شهدت او مازالت تشهد حروب ونزاعات عنيفة ومنها اليمن .وقد سنحت لي فرصة التعرف المباشر على هذه المجموعة  قبل عامين تقريبا  في عدن  حينما زارتها الباحثة الامريكية الدكتورة  إيبريل آلي كبيرة المحللين لشبه الجزيرة العربية في أبريل من العام 2011م. تم توالت اتصالاتنا المباشرة وغير المباشرة  واذكر أن منتدى التنمية السياسية د سيف علي حسن بالتعاون مع مؤسسة فردريش ايبرت الألمانية ومديرها الصديق محمود قياح وبحضور مجموعة الأزمات الدولية  نظم ندوة فكرية في عدن ب عنوان ( من اجل صوت جنوبي موحد ) وهو مستل من تقرير مجموعة الأزمات الاول قبل عامين وقد اشتركت بمداخلة نشرتها لاحقا في صحيفة أكتوبر بعنوان (المسكوت عنه في تقرير مجموعة الأزمات الدولية بشأن القضية الجنوبية )  وقد سلمت الدكتورة ابيرل آلي نسخة من الصحيفة وأوراق اخرى ، وكانت اخر مرة جمعتنا بالباحثة في شهر ابريل ومايو الماضيين في عدن برفقة عدد من الزملاء والزميلات حينما كانت تبحث في موضوع تقريرها الأخير الصادر في الشهر المنصرم . وحينما قراءته لأول مرة قراءة عابرة تبادر الى ذهني التقرير السابق ، نقطة الانهيار … قضية اليمن الجنوبي ، وقررت ان أعيد قراءت التقريرين من منظور نقدي مقارن وقد سنحت لي الفرصة قبل يومين ان أتناقش مع بعض الأصدقاء الأعزاء المهتمين بالأمر اذ خصصنا الجلسة كلها لقراءة التقرير ومناقشته . ويحس بنا استعراض التقرير الاول حتى نتمكن من عقد المقارن وبيان الاتساق والافتراق والتكرار والتجديد  بين التقريرين .
فما الذي حمله ذلك التقرير، وما أهميته العملية فيما يخص القضية الجنوبية، وكيف يمكنا مقاربته وقراءته وفهمه في هذه اللحظة المضطربة وفي ضوء المتغيرات والأحداث والرهانات الكثيرة المسارعة ، نقطة الانهيار … قضية اليمن الجنوبي .
أولا : إن قضية شعب الجنوب الثائر  هي قضية حقيقية ومشروعة وعادلة وحيوية وراهنة وخطيرة وحاسمة وأولية ومحورية ونوعية ومستقلة وجديرة بالاهتمام والقلق والبحث والدراسة كظاهرة وواقعة وقيمة مهمة في ذاتها، ولذاتها ومن أجل ذاتها، بغض النظر عن علاقاتها وارتباطاتها وتأثيراتها بالقضايا والمشكلات الأخرى المحلية والإقليمية والدولية، وهذا هو معنى العنوان : «نقطة الانهيار.. قضية اليمن الجنوبي»، هكذا حضر «اليمن الجنوبي» من حيث هو قضية منفصلة عن «اليمن الشمالي» وثمة فرق لو أنـه قال : «جنوب اليمن» أو «اليمن نقطة الانهيار قضية جنوب اليمن»وهذا يعني فيما يعنيه أن العالم بهيئاته ومستوياته العليا قد بدأ يتفهم ويدرك معنى «القضية الجنوبية» على نحو أفضل وهذا ما بشر بمستقبل أفضل  لوضع القضية على الصعيد العالمي ومنحها قوة تفاوضية أكبر.ثانيـا : هذا التقرير يعني أن القضية الجنوبية، لم تعد تعني أصحابها في الجنوب أو خصومها في الشمال ولا قوى الهيمنة الإقليمية فحسب بل غدت شأنـا عالميـا ومشكلة دولية تثير قلقـا واهتمامـا في مختلف الهيئات والمنظمات والدول الكبرى المتحكمة بصناعة القرارات والسياسات الدولية ،لاسيما الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي .
ثالثـا : هذا التقرير يعني أن معاناة الجنوبيين وتضحياتهم ومقاومتهم وثورتهم السلمية وحراكهم الجنوبي السلمي المتواصل منذ 7 / 7 / 1994م ضد الحرب الغاشمة والاحتلال  وجرائمه ضد الإنسانية وجريمة  الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب الجنوب بالتدمير المنهجي لجميع مؤسساته الحيوية الوطنية حسب اعتراف جمال بن عمر في تقريره السابق  تلك الجرائم والتضحيات . .. وكل العذابات والأوجاع والآلام والانتهاكات التي لحقت بالجنوبيين لم تذهب سدى بل أخذت تؤتي ثمارها ونتائجها و(لا يضيع حق وراءه مطالب وحقوق الشعوب لا تذهب بالتقادم .
 وقد لاحظت  تردد التقرير وتذبذبه- وهذا ينطبق على التقرير الأخير أيضاً – بين المقتضيات والاعتبارات السياسية والأيديولوجية الوظيفية للمنظمة المعنية بـ (دراسة الأزمات) واقتراح حلول لها، وهي وظيفة توفيقية تنطلق من القاعدة الشهيرة «السياسة فن الممكن» والقاعدة التي ترى أن المعيار الحاكم في الشأن السياسي، ليس «صحيح أم زائف» بل «ممكن عمله أم غير ممكن؟»، «ممكن تحقيقه أم غير ممكن؟».من هذا المعيار الحاكم تأتي الوظيفة الأيديولوجية للتقريرين، وهو معيار  يقع على طرف نقيض مع المعيار العلمي والحياد الأكاديمي، والتجرد المهني الموضوعي، وبهذا يمكن لنا ان نفهم التناقضات الكثيرة والأخطاء الفادحة التي ورت في التقريرين . فعل سبيل المثال كانت مجموعة الأزمات الدولية تراهن على احتمال نجاح انتفاضة التغيير في صنعاء
 حينما أتذكر أسئلة الباحثة أبيريل آلي في مقابلتها لنا في المنصورة في ابريل ٢.١١م بمعية خمسة من الزملاء الأكاديمين  أفهم المقصود بهذا التوصيف المتشائم للوضع في اليمن  إذ كانت (مجموعة الأزمات الدولية) مثلها مثل كثيرين تراهن على نجاح «ثورة التغيير» في احتواء القضية الجنوبية وحلها، بما يرضي الجنوبيين، حيث كانت أسئلتها لنا عن أثر الانتفاضة في صنعاء على الحراك الجنوبي وعلى القضية الجنوبية، وما إذا كانت آمال الجنوبيين تراهن على ذلك، وقد أوضحنا لها أن تأييد الجنوبيين لـ«ثورة فبراير» في صنعاء لم يكن  يعني تخليهم عن قضيتهم الأساسية  واهدافهم المعلنة  التي هي قضية تحرير واستقلال واستعادة السيادة الوطنية الجنوبية  من الاحتلال الشمالي  العسكري المباشر، أما وقد سارعت القوى التقليدية العشائرية والطائفية الشمالية المهيمنة إلى احتواء «الثورة» في المهد، وهي القوى ذاتها الضالعة في جرائم الحرب ضد دولة الجنوب وشعبها في 1994م، فلا خير فيها ولا أمل يرتجى منها فيما يخصنا. هذا هو ما اوضحناه للسيدة ابريل آلي التي كتبت في ٣٠اكتوبر ٢٠١١م مقال مطول  بعنوان : هل وصلت قضية جنوب  اليمن الى نقطة الانهيار ؟ في جريدة الشرق الأوسط جاء فيه ” هل يمكن للانتفاضة الشعبية أن تخلق فرصا جديدة لتسوية قضية الجنوب سلميا؟ من الممكن أن يتحقق ذلك إذا تصرف الطرفان بحكمة. سهلت الانتفاضة الشعبية منذ البداية التعاون بين المحتجين الشماليين والجنوبيين، وكسرت حواجز الخوف وسمحت لطيف أوسع من الجنوبيين بالانضمام إلى النقاش العام الدائر حول وضع الجنوب.. والأهم من ذلك، هو أنها سهلت النقاش والتوصل إلى إجماع متزايد حول خيارات الفيدرالية. إذا تمكن الخصوم السياسيون من التوصل إلى اتفاق حول نقل السلطة في صنعاء وإطلاق حوار وطني شامل، فسيكون بإمكانهم اغتنام هذه اللحظة للتفاوض على تسوية سلمية للقضية الجنوبية أيضا.”  الشرق الأوسط العدد ١٢٠٢٤.وهو في الواقع خلاصة ما حمله التقرير الأنف ولبه .
وإذا ما حاولنا المقارنة بين ( نقطة الانهيار) (وتجنب الفشل)  وبينهما ( مؤتمر الحوار المسلوق على عجل ) لتبين لنا ذلك الدور الفاعل والمؤثر  لمجموعة الأزمات الدولية فيما يجرى من ترتيبات دولية وإقليمية الان في اليمن  بما يجعلنا نقول  بكل ثقة بأنها هي من صمم السيناريو ومحتواه ويشرف على تنفيذه ! وهذا هو ما أكدته الدكتورة إبريل بقلمها اذ كتبت ” ثمة حاجة ملحة لشق طريق واضح نحو إعادة تعريف العلاقات بين المركز والأطراف. ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا من خلال حوار شامل يعترف بالمظالم المشروعة للجنوبيين وبأهمية إصلاح تلك العلاقة بشكل حقيقي. ثمة أربع نتائج محتملة يجري نقاشها في مختلف الأوساط تتمتع بدرجات متفاوتة من الشعبية: المحافظة على دولة الوحدة مع وجود حكومة مركزية تكون أكثر تعددية وشفافية وتخضع للمساءلة؛ أو المحافظة على دولة الوحدة لكن بتفويض صلاحيات كبيرة للمحافظات؛ أو إقامة دولة فيدرالية تتكون من إقليمين أو أكثر؛ أو انفصال الجنوب.” الشرق الأوسط المعطيات السابقة . وهذا هو ما ألح عليه تقرير نقطة الانهيار الذي اشتمل على الملخص التنفيذي والتوصيات، ومقدمة وستة محاور هي :
١ . دولة واحدة أم دولتان.2 . عودة القضية الجنوبية إلى الظهور.3 . «الربيع اليمني» والقضية الجنوبية.٤- البحث عن صوت جنوبي موحد ٥- اللاعبون الرئيسيون ٦.السنياريوهات والحلول المتحملة . وقد كتبت حينها مقاربة نقدية للتقرير والمحت الى المسكوت عنه في تقرير مجموعة الأزمات الدولية بشأن القضية الجنوبية نشر في صحيفة ١٤ أكتوبر في مطلع مارس ٢٠١٢م  أشرت الى ما اغفله التقرير من قضايا جوهرية يصعب تجاوزها لكل من أراد التعرف عن كثب وفهم حقيقة القضية الجنوبية من أسبابها الصحيحة ومما قلته حينذاك :
أولاً : ثمة تبسيط مخل في دراسة الأسباب العميقة للقضية الجنوبية، وتسرع غير جائز في إطلاق الأحكام واستخلاص النتائج منذ الفقرة الأولى للتقرير في المقدمة إذ استهل التقرير بالنص الآتي «اندمجت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع جارتها الشمالية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م لتشكل الجمهورية اليمنية» (ص1).لا يمكن الحديث عن اندماج بين الطرفين، بقدر كونه مغامرة غير محسوبة النتائج، فضلا عن عدم جواز الحديث عن دولتين متقابلتين، بل هناك (دولة) الحزب الواحد في الجنوب، ليست دولة الشعب، وسلطة الفرد الحاكم في الشمال التي لم تعرف تجربة العيش المشترك في دولة منظمة سياسيـا من أي نوع كان.
ثانيـا : أغفل التقرير إغفالا شبه كلي الحديث عن كارثة حرب اجتياح الشمال للجنوب والجرائم التي حدثت بسبب ذلك وهذا ما سماه شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني : بجريمة «اقتلاع الجنوب» صحيفة (النداء).إن التأكيد بأن «الاتحاد بين الجنوب والشمال قد حفل بالمشاكل منذ البداية، وأفضى في المحصلة إلى حرب أهلية قصيرة لكن دموية عام 1994م، وانتصار الشمال» (ص 1). لا يمكن له أبدا أن يجزي عن الدراسة المتعمقة والمحايدة لحقيقة ما جرى، من نتائج وآثار مدمرة لجميع شروط الحياة في الجنوب والشمال.كما أن انطلاق التقرير من معطى «الوحدة» الفكرة والحلم والمشروع والسبب والنتيجة، بعدها مسلمة بديهية طبيعية وأسطورة مقدسة، ربما كان وراء انحراف التقرير عن مسار البحث المحايد والتفسير والفهم العقلاني للمشكلة، إذ بدلا من أن ينظر معدوا  البحث إلى المكان الذي كان يجب أن ينظروا إليه، راحوا يبحثون في المكان الخطأ للأسف الشديد على طريقة جحا الشهيرة !!!، إن جذر الأزمة ليس في الوحدة، ولا في الانفصال، بل في مكان آخر تمامـا، إنـه في الحقل السياسي مجال صراعات القوى من أجل السلطة والنفوذ، إنـه في الدولة الغائبة في الشمال، و«الدولة الشمولية في الجنوب».
ثمة فروق خطيرة وجوهرية بين الجنوب والشمال أهمها على الإطلاق وجود دولة حديثة مركزية صارمة احتكرت في ذاتها كل مقدرات القوة والقدرة وأخضعت لحكمها جميع أفراد الشعب في الجنوب، وسلطة متنفذة في الشمال احتكرت لذاتها ما يعزز من دوام هيمنتها وتركت للناس حرية تدبير حياتهم وهذا ما نجم عنه تفاوت كبير بين أهل الجنوب وأهل الشمال، تفاوت بالخبرات والقدرات والعادات والقيم والتصورات، بل والأهم تفاوت واختلاف صارخ بأنماط معينة للعلاقات الاجتماعية، يقول عالم الاجتماع الفرنسي «إميل دوركايم» إن أفكارنا حول العالم وكيف تسير الحياة فيه نابعة من علاقاتنا الاجتماعية، إذ إن العلاقات الاجتماعية تولد أنماطـنا لإدراك العالم من حولنا. وهذه الأنماط بدورها تساهم في الحفاظ على تلك العلاقات، ويتمثل أو يستبطن الأفراد في المجتمع المتعين  النظام الاجتماعي بعلاقاته وقيمه السائدة لغرض معين أو وظيفة حيوية تخدم تعزيز مصالحهم وتقوية مكانتهم في  حومة التنافس والتدافع المحتدم بين الناس من اجل الأرزاق والمصالح والمنافع والقدرات وامتلاك المزيد من الفرص .
هذا باختصار بشأن تقرير ، نقطة الانهيار ، اما تقرير مجموعة الازمات الدولية الأخير . قضية اليمن الجنوبي … تجنب الفشل ،تقرير الشرق الأوسط رقم ١٤٥ الصادر قبل شهر من الان فيحتاج الى قراءة خاصة ، وكل ما نود الإشارة اليه بهذه العجالة هو المقارنة الإجمالية مع سلفه .
لا يخفى على احد من عنوان التقرير تجنب الفشل   منه المستهدف الرئيس به ، هو ببساطة موجه الى( مؤتمر الحوار ) ورعاته الإقليميين والدوليين ، وهو موجه الى قوى وفعاليات ثورة المقاومة الجنوبية السلمية ، الحراك الجنوبي . والفرق واضح بين عنوان التقرير الاول ، نقطة الانهيار والعنوان الحالي تجنب الفشل ، احتوى التقرير على جملة من النقاط ، هي: ١. القضية الجنوبية  في الحوار الوطني أ- البحث عن تمثيل الحراك ب بيئة سياسية معادية . ٢- الفشل في تنفيذ إجراءات بناء الثقة ٣ الخشية من عودة النظام القديم  ٤ -تجزؤ الحراك ٥- تصلب سياسات الهوية ٦. مفاوضات مؤتمر الحوار – الجوهر والممارسات .
والخلاصة بعنوان التحرك الى الامام فضلا عن الملخص التنفيذي والمقدمة والتوصيات . والملاحق .
جاء في الملخص التنفيذي ” بالفعل فإن مسألة بنية الدولة ترتبط حتم اً بما يسمى بالقضية الجنوبية، والتي تختصر المطالب السياسية، والاقتصادية والاجتماعية الصادرة من الجنوب، الذي كان دولة مستقلة قبل عام 1990 . في الجنوب، ھناك خليط رخو من المنظمات والنشطاء الذين يربطھم تحالف غير وثيق، يُعرف بالحراك الجنوبي، يدعو إلى

الانفصال، أو في الحد الأدنى، إلى فيدرالية مؤقتة مكوّ نة من ولايتين يتبعھا استفتاء على مستقبل الجنوب. ثمة عاطفة قوية نحو الانفصال ويبدو أنھا تعززت خلال المرحلة الانتقالية ” ويضيف في مكان اخر ” بالفعل فإن مسألة بنية الدولة ترتبط حتم اً بما يسمى بالقضية الجنوبية، والتي تختصر المطالب السياسية، والاقتصادية والاجتماعية الصادرة من الجنوب، الذي كان دولة مستقلة قبل عام 1990 . في الجنوب، ھناك خليط رخو من المنظمات والنشطاء الذين يربطھم تحالف غير وثيق، يُعرف بالحراك الجنوبي، يدعو إلىالانفصال، أو في الحد الأدنى، إلى فيدرالية مؤقتة مكوّ نة من ولايتين يتبعھا استفتاء على مستقبل الجنوب. ثمة عاطفة قوية نحو الانفصال ويبدو أنھا تعززت خلال المرحلة الانتقالية.” ينظر نص التقرير في موقع عدن الغد

هكذا تكشف مجموعة الازمات الدولية الخبيرة عن مخاوفها الواضحة من فشل مؤتمر الحوار المزعوم وتضع القضية الجنوبية رهان النجاح او الفشل .

ولكنها هنا شددت نقدا لاذعا للحراك وقواه وقياداته ينبغي قراءته بعمق وتأمل بل يجب على كل المعنيين ان لا يمروا عليه مرور الكرام ،و الاخر مرآة الذات ونظرة الآخرين تمنحنا الفرصة لإعادة النظر الى ذواتنا وتصحيحها ، مما جاء في التقرير (

لقد ثبت أن تجزؤ الحراك والمنافسة الداخلية فيه شكلت عقبات جدية أمام المحادثات أيضاً. يتكون الحراك، وھو بطبيعته حركة متغيرة ولا مركزية على مستوى القواعد، من عدد كبير من المنظمات والمؤيدين الأفراد. 49 في حين أن ھيكليته المتحولة جعلت منه حركة احتجاجية رشيقة ومستمرة، فإن ھذه الھيكلية نفسھا أعاقت بعدة أشكال المشاركة الفعالة في مفاوضات تتطلب وجود ممثلين يتمتعون بتفويض واضح. رداً على ذلك، يصر نشطاء الحراك على أنھم موحدون في مطالبتھم بإعادة تأسيس دولة في الجنوب. 50 مھما كان ذلك صحيحاً، فإنه لا يخفي الخلافات الحقيقية فيما يتعلق بوسائل تحقيق الانفصال. البعض  ذوي الصوت الأعلى والتحرك)

وحينما نقارن توصيات التقرير الاول للفاعلين الدوليين والاقليميين والمحليين مع التوصيات الواردة هنا في التقرير الأخير سوف نفهم الكثير والكثير عن ديناميات لعبة القوى السياسية والمصالح والاستراتيجيات والرهانات ، اذ جاء في توصيات التقرير الراهن مايلي ” التوصيات

إلى المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، والحكومة اليمنية والداعمين الدوليين للمرحلة الانتقالية (بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء):

1. تعريف نجاح مؤتمر الحوار الوطني بأنه التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا، في حين تظل قضايا أخرى (خصوصاً قضية بنية الدولة) دون تسوية، ربما باستثناء المبادئ العامة، وتستمر النقاشات.2. الاتفاق على تمديد الإجراءات الانتقالية مثل:آ. تأجيل محدود للاستفتاء الدستوري والانتخابات التي تليه؛

ب. إجراءات بناء الثقة للجنوب (بما في ذلك وبين أشياء أخرى معالجة المظالم المتعلقة بالتوظيفوالأراضي؛ وتحسين الظروف الأمنية؛ وتفويض صلاحيات مالية وإدارية أكبر إلى الحكومات المحلية)، إضافة إلى إطار واضح ومحدد للجدول الزمني، وآليات، وتمويل ومراقبة التنفيذ؛ج . تشكيل حكومة تكنوقراط إلى أن يتم إجراء الانتخابات؛د . استمرار المفاوضات إما حول المسألة الأوسع لبنية الدولة أو  إذا تم التوصل إلى تلك المبادئعلى تفاصيلھا؛ھ. إشراك مجموعة أوسع من النشطاء الجنوبيين في المفاوضات التي ستعقد دون شروط مسبقة،خصوصاً قادة الحراك خارج وداخل البلاد.إلى دول مجلس التعاون الخليجي:

3. لعب دور أكثر فعالية في التيسير وربما الوساطة، إلى جانب الأمم المتحدة، في المفاوضات المستمرة.

إلى الحراك:

4. في حالة أولئك الذين لا يشاركون حالي اً في مؤتمر الحوار الوطني، الانضمام إلى أية مفاوضات موسّعة دون شروط مسبقة، وطرح خيار الاستقلال للنقاش.

5. الاستمرار في جهود تطوير ھيكلية قيادية متماسكة والاھتمام بشكل خاص بدعم وتشجيع جيل الشباب. 6. وضع حد للخطاب الاستفزازي الذي يؤجج الخلاف بين الشمال والجنوب

إلى حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح:

7. دعم توسيع المفاوضات حول قضية بنية الدولة دون شروط مسبقة وبمشاركة طيف أوسع من نشطاء الحراك.

8. التأكيد العلني على الجوانب الإيجابية لترتيبات الوحدة والفيدرالية، بدلاً من معارضة الانفصال من حيث المبدأ  او التأكيد  على تبعاته السلبية “

وفي الختام لا بد من تذكير مجموعة الازمات الدولية والدكتور ابريل آالي خاصة بتوصياتهم في تقريرهم السابق ، نقطة الانهيار ، وماذا بشأن تنفيذها ومنها نذكر  سحب القوات العسكرية الشمالية من الجنوب واستبدالها بقوة محلية ، وغير ذلك .

اخيراً أقول يجب علينا ان نقرأ كل ما يكتب عنا وعن كل ما يتصل بقضيتنا قراءة نقدية متبصرة ومن المهم ان تكون لدينا مؤسسات ودوائر دراسات وابحات استراتيجية ، والله الموفق