fbpx
قراءة في وثيقة اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية(1) بقلم | عفراء حريري
شارك الخبر
قراءة في وثيقة اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية(1) بقلم | عفراء حريري

 

 

في حين كنت بعزلة مع نفسي ، منعا للإرهاق والتعب والجهد  الذهني والحسي والعصبي الذي تعرضت له طيلة فترة عملي في اللجنة المصغرة لفريق العدالة الانتقالية  ، هلت علي الكثير من الرسائل في مختلف الاجهزة الالكترونية والبرامج الالكترونية التي أصبحت جزءا من حياتنا وأفقدتنا الاحساس الانساني ببعض وتجاه بعضنا البعض ، تسألني عن وثيقة  معالجة القضية الجنوبية ، والتي بالفعل كنت حينها لم أقرأها بعد ، من شدة ما انا فيه من إحباط ويأس تجاه قضايا اليمن ، وعلى رأسها القضية الجنوبية ومواقف الحراك التي استنفذت كل طاقتنا لفهمها واستيعابها ، و قراءة كل الرؤى التي قدمت لحل القضية الجنوبية وتلاها رؤى المرحلة الانتقالية الجديدة  ،  فأضطريت راضية على قراءة الوثيقة ، قرأتها سطرا سطرا وحرفا حرفا وكلمة كلمة ، جميلة هي الكلمات والعبارات ، ولكن ينقصها تنسيق اللغة والمصطلحات ، فهناك بون شاسع بين دولة موحدة على اسس اتحادية  ودولة اتحادية ، فالدولة الموحدة  هي الدولة البسيطة التي تظل محتفظة بالمركزية كما هي الان ولا يمكن أن يتخللها نظام اتحادي ، والدولة  الاتحادية هي الدولة المركبة التي تؤسس على نظم فيدرالية  تمنح استقلالية واسعة  للأقاليم ، وهناك خطأ فادح فلا يمكننا القول ” نلتزم حل القضية الجنوبية حلا عادلا في إطار دولة موحدة …إلى أخر العبارة ،.

 فالالتزام هو معالجة القضية الجنوبية ”  بحلول عادلة ” في إطار الدولة الاتحادية  ،وفقا لمبادىء الديمقراطية متجسدة  بإحقاق الحق المتمثل بترسيخ النظام والقانون ، الدولة الاتحادية لا يمكنها تحقيق قطيعة مع الماضي ، إلا في ظل قانون للعدالة الانتقالية يعتبر جسر للانتقال إلى الدولة الاتحادية ، وهناك العديد من التساؤلات التي سأتطرق إليها في الجزء الثاني،  ولفت انتباهي شيء / موضوع واحد لم اجده في طيات الوثيقة والتي سأعلق عليها في سطور مقالتي هذه فيما بعد ، وهذا الشيء / الموضوع الذي أظن بأنه أن ادرج في الوثيقة سوف نثق بما جاء فيها ، ألا وهو الفساد ذلك الوباء الذي أن تم القضاء عليه لنعمنا بحياة أفضل في ظل أي دولة كانت وكان اسمها ، الفساد وكيفية استئصاله والقضاء عليه ، حتى ديباجة الوثيقة لم تشير إليه ، يا حكام هذه البلد وما ادراك ما هذا البلد ، يامن تملكون وتسيطرون وتحكمون من خلال مواقعكم ومناصبكم وأحزابكم وقبائلكم ومنظماتكم ونفوذكم واموالكم ، هذه الارض الجميلة من اقصى الجنوب إلى اقصى الشمال ، وهذا الشعب المسكين المغلوب على امره في الشطرين ، لا تستحق هذه الارض العبث بها ولا يستحق هذا الشعب العبث به والضحك عليه ، فيا كل هؤلاء دعوا هذا الشعب لمرة واحدة ينتمي إلى أرضه ووطنه ، لا إلى قبيلته ونسبه ووساطته  ومنطقته و…إلخ ،.

 دعوه يفتخر بانه يمني ، ويحمل وثيقة هويته دون خوف ودون سخرية واستهزاء من احد في كل بقاع هذه البسيطة ، الوثيقة جاءت لترضي إلى حد ما جميع الاطراف بمسمياتهم المختلفة وانتمائهم  المختلف بدليل التوافق الذي حدث إزاءها ، دون ان يضع في حسبانه انه سيدور في نفس الفلك مالم يضع حد للفساد ويعالجه بالاستئصال ” لان الفساد يشبه السرطان ، مالم تستأصل العضو المصاب فان المرض سينتشر دون حسيب ورقيب ودون القدرة فيما بعد على إنقاذ هذا العضو ”   وهذا ما يحدث بالفعل ، فدعونا نضع النقاط على الحروف من أول سطور الوثيقة إلى أخر ما جاء فيها :-

أن جميع المرجعيات التي استندت إليها الوثيقة لم يتم الاستناد إليها على الاطلاق في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ابتدأ من قرارات مجلس الامن مرورا بالمبادرة الخليجية وآلياتها والنظام الداخلي ، والذي تم التعامل معها كمرجعيات وفقا للأهواء والامزجة ، وتم اختراقها عشرات المرات ان لم يكن مئات المرات ، وكان يتم الاستهتار بالملاحظات وعدم الاخذ بالشكاوى ، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن في تلك الاهواء والامزجة فسادا لم يتم معالجته أو حتى محاولة لمعالجته وكان يحدث جهرا نهارا امام مرئ ومسمع الجميع . 

سيتم حل القضية الجنوبية حلا عادلا وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية ، مستحيل أن ينتقل الانسان للمستقبل مالم يتم معالجة الماضي ، ومعالجة الماضي تتطلب مساءلة ومحاسبة وليس الاعتراف بالأخطاء فقط ، لان شخوص الخطأ مازالت تكرر ذاتها في كل مراحل الانتقال وتقوم باختيار الاسوء في كل مجالات الحياة والمعيشة ، دولة الحق والقانون تحتاج إلى مقومات دولة في البدء ومانحن فيه ليس بدولة ، كل ذي منصب حاكم ومسؤول ، وكل شيخ قبيلة رئيس يمتلك مالا تمتلكه الدولة ، وخلف ذلك يقبع الفساد وينهش في كل خلايا الدولة .

القطيعة مع الماضي لا يمكن أن تحدث هكذا بجرأة قلم وحبر على ورق ، نحن شعب بالفطرة لا نسامح ولا ننسى، فكيف تقاطع الماضي وأصحاب الظلم والانتهاك فيه مازالوا معنا ولم يقروا بظلمهم وانتهاكاتهم ولم يعيدوا ابار البترول والارض والثروة التي كونوها من ثروة الجنوب إلى المساءلة من أين لك هذا ؟ حيث لا يقبل بأن تكون كل تلك الثروة من كشك للجعالة ..وأخرين لهم مشاريع من غير أكشاك الجعالة ، ذلك أضعف الايمان لتحقيق جزء ضئيل من القطيعة ، واصحاب الفتاوى وغيرهم فوق ميزان العدالة والحق ، وهذا إقرار بأن القطيعة لن تكون إلا متى خضع الفساد للاجتثاث .

 
عن أي حكومة تتحدث الوثيقة في معالجة المظالم والنقاط العشرين والاحدى عشر؟ عن هذه الحكومة التي أزدادات وأمتدت أبان توليها مسؤوليتها المظالم ، بحيث أصبح لكل مواطن مظلمة في الجنوب والشمال ، وهذا إصرار متعمد على تربية الفساد ورعرعته ، الامر الذي جعل الرشوة سمة الموظف اليمني مع الاعتذار للقلة القليلة منهم / منهن .

بناء المستقبل لا تستبق المصالحة الوطنية فيه العدالة الانتقالية إطلاقا مالم يتم الاثبات بالدليل القاطع لهذا الشعب ، بان الماضي تمت محاسبته ومساءلته والوقوف تجاهه بإحقاق الحق ، فالموضوع لا يتعلق وحده بإعادة الممتلكات والتعويض المادي والمالي ، وإنما يسمو عليه بمعالجة الاثار والجراح التي استوطنت في نفوس الجنوبيين وهذه الجراح لا يمكن معالجتها بالمال ، في الوقت التي تستباح فيه الارض ومعالم المدن التاريخية في الجنوب وأهمها مدينة عدن التي أصبحت تعيش عصرا بدائيا ووأدت فيها المدنية ” ويكفي النظر إلى قذرة شوارعها ، وردم بحورها والاضرار بيئتها وهدم معالمها ،  ويسفك الدم على ادنى مظاهرة أو مسيرة يقوم بها أهلها ومثلها حضرموت ، الا يرتبط هذا بالفساد ، فساد كل من يتحمل مسؤولية تلك المدن وما يحدث فيها .

الالتزام بمبادئ الوثيقة صادر من المكونات التي وقعت عليها ، والمكونات الموقعة عليها هي ذاتها منشقة عن ذاتها نصفين ، نصف معترض والنصف الاخر موافق ومتوافق ، وهذه المكونات هي التي لم تلتزم بالمرجعيات التي استندت إليها ولم تجثت الفساد حين شاركت في الحكومة ، هي ذاتها المناصفة ” باستثناء الحراك وانصار الله ومكون المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني ” التي اعتمدت على المحاصصة فألغت الكفاءات والخبرة واستمرت على قسمت التحصيص ، في مرافق مختلفة فقدت فيها الكفاءة حتى شهادة التخرج في نفس التعيين لم يتم العمل بها و”الادلة كثيرة “، وكأن البلاد تخلو من ذوي الكفاءة والخبرة وشهادات التخصص ، اوليس هذا فساد أخر، يتيح لنا أن نطلق عليه فساد محصحص .” فساد الحصة “، وأتسأل هل الالتزام سيكون على نظام المحاصصة مع اتساع رقعته ، فالدولة الاتحادية ستحقق إلى حد ما عدم تراكم الثروة في يد قلة قليلة وفي منطقة واحدة ، شريطة أن نقوض من وجودهم في سدة السلطة على مستوى العاصمة الاتحادية وعلى مستوى الاقاليم ، الدولة الاتحادية ستفضح قوى الفساد في جميع الاقاليم ، متى ما أمتلكت مقومات الدولة على مستوى جميع الاقاليم ، ومقومات الدولة يعنى بالبنى التحتية التي يجب تأسيسها في كل الاقاليم ، ولن يتحقق ذلك مالم يتم التصدي لكل من يعرقل ويعطل جميع الخدمات التي تعتبر أنوية للبنى التحتية ….وغيرها من الظواهر، هذه هي مظاهر الدولة الاتحادية التي لا أختلف عليها مع احد ، لكن أن تكرر الدولة الاتحادية النظام القائم في الدولة الموحدة ، وتكرر القوى السياسية ذاتها في محاصصة الفساد بناءا على التوافق وتتبنى المكونات الاخرى ذلك، فلن تكون هناك  لا دولة موحدة ولا دولة اتحادية .
 

أخبار ذات صله