fbpx
بإيجاز: معركتنا مع ثقافة الخنوع والولاء .. بقلم | عبده النقيب
شارك الخبر
بإيجاز: معركتنا مع ثقافة الخنوع والولاء .. بقلم | عبده النقيب

دخل القائد والمفكر البوسني الكبير علي عزت بيجوفيتش الى المسجد للصلاة فحيا المسجد بركعتين وقعد في إحدى الصفوف الخلفية ينتظر إقامة الصلاة وإذا بالجموع تتدافع نحوه وتدفعه بإصرار رغما عنه الى الصفوف الأمامية فقال لهم كلمته التاريخية .. (هكذا تصنعون الطواغيت بأيديكم) لا اريد ان استدل بأمثلة وتفاصيل كثيرة حول اهمية الجهر بالحق التي اعتبرها سيد المرسلين افضل الجهاد, فعدم القول بالحق خوفا من الأذى الذي يلحق بصاحبه هو جبن ينتج عنه اضرار بليغة ليس على الشخص نفسه ولكن على الكثيرين وربما الوطن وخاصة عندما يكون الشخص في موقع مسئول يكون فيه مكلّف .

عندما تطرقت في الحوار الذي اجراه معي الصحفي الشاب محمد بلفقيه الى نقد الأخ علي سالم البيض كنت صريح ولم اتعرض الا لما هو عام وحق لنا جميعا بل ومن واجبي ان أقول ذلك, لاحظت ان اخ عزيز طرح في تعليقه عليّ ان (الأخ النقيب يريد ان يطرح راسه في راس البيض) وهي ملاحظة وضعت اليد على الجرح تماما. هنا هو جوهر المشكلة .. بدقة .. الحقبة الشمولية خلقت وعمقت شيء اسمه ثقافة الولاء بل انها ثقافة تاريخية متأصلة في مجتمعنا المتخلف . هذه الثقافة التي ترى في الطاعة لولي الأمر واجب مقدس.. الطاعة والخنوع هي التي تجعل من التابع لا يرى اخطاء وليًّه, بل ان الهزائم والجرائم النكراء التي يقترفها ولي الأمر تتحول في نظر الرعية الى بطولات وفضائل.

بكل اسف الولاء ليس له العلاقة بالوطنية بل هو اخطر اعدائها فمن يوالي ولي الآمر بالمنشط والمكره وفي الحق والباطل هم اولئك المشبعون بثقافة الاستعباد الذين ينظرون لولي الأمر كمعصوم يعد مسّه كفرا بالله ( انظر لمصطلح ولي الآمر ) الذي يعني بأن الموالين له رعية قاصرين والولي هو المخول بتقرير مصيرهم وهو الذي يعرف مصلحتهم ولا سواه بل هو الرب الحاضر الذي نركع ونسجد وننحني له ونقبل يداه وربما اقدامه ونضحك بشدّه عندما يقول فكاهة سمجه ونردد ثرثرته الغبية ثم نحولها الى أثر تاريخي نادر.

الشخص المسئول هو شخصية عامة كل تصرفاته وافعاله امر يجب ان تكون محط مراقبة ونقاش ونقد الجميع.. من يضع نفسه في موقع المسئولة وحامي الحمى للوطن يجب ان يكون عرضة للنقد والتشريح بل والتحريض بالثورة ضده اذا تطلب الآمر ذلك والا فإننا سنسكت كما سكتنا عام 1990م عن جريمة تاريخية كنا نستطيع منع وقوعها ولافائده من الندم. لم انتقد البيض الا من باب ما هو واجب عليّ قوله وليس رد فعل او ثأر فلا يوجد أي شيء شخصي بيني وبينه وماقلته مجرد غيض من فيض. انا لا أعتبر أن ما اقول هو الحق المطلق فهو مجرد راي قابل للخطأ, وانا لا ارى نفسي اكبر من احد كائنا من كان لكني في نفس الوقت لا اقبل احد يرى نفسه مختلف عني واكبر مني كائنا من كان فالكبير بعد الله فقط هو من يفرض علينا احترامه فانا بصراحة متحرر من عقدة النقص. ولأني لا اعد نفسي لأكون ضمن قوائم احد ممن يطلق عليهم بالقيادات التاريخية في التسويات القادمة الذي تتراءى لبعض المناضلين او بالأصح الثوار عملا بالقول المأثور ورجعت حليمة الى عادتها القديمة فلما اسكت او انافق.

مازالت ثقافة الخنوع متأصلة في مجتمعنا ولا عجب لاسيما وان تلك التجربة ما برحت حاضرة في اذهاننا. حينها لم تكن الكفاءة والنزاهة هي التي تؤهل صاحبها للوصول الى موقع المسئولية التي كانت للأسف تعد المنفذ الوحيد للشخص للحصول على احتياجاته المهمة بما في ذلك المكانة الاجتماعية, بل ان العامل الأهم كان هو المحسوبية والعلاقة بمن هم في موقع المسئولية التي كانت حكرا على اشخاص بعينهم فلا يغادرها احدا منهم الا الى المجنّة او السجن في احسن الأحول. ولهذا ظلت السلطة حكرا على عدد من الأشخاص بعينهم من عم 1967 حتى عام 1994م ولمن يشكك في ما اقول يعود للأسماء التي تولت الوزارات خلال الفترة هذه كلها.

لما لا نقول اليوم لمن يعضّون على الزعامة بالنواجذ كفى !! ليس اقصاءا لأحد ولكن للأسباب والمبررات الوجيهة التي اكتفي بإيراد بعضها كما اراها بالتالي: اولا: اولئك الذي نرى بانهم يمثلون حقب الماضي بكل كبواته ومآسيه لهم نصيب وافر من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت بقصد او بدون قصد بحق شعب الجنوب ومصيره والتي اوصلتنا حتما الى مانحن فيه اليوم في تجربة اليمة بخلاف كل دول الجوار التي تعيش حالة من الرفاهية والترف رغم اننا كنا نسبقها بعقود كثيرة.

ثانيا: أثبتت تجربة السنوات العشر الماضية منذ ولوجنا مرحلة النضال التحرري لاستعادة الارض والهوية والحرية ان من عاشوا وترعرعوا في زمن شمولي( قومجي) ماركسي متطرف لن يكونوا بسهولة اشخاص ديمقراطيين ولن يستطيعوا تغيير ثقافتهم وسلوكهم ولا اظن ان فشل في قيادة دولة قائمة يستطيع قيادة ثورة تسعى الى اقامة دولة غائبة فالمهمة هنا اكبر واخطر.

ثالثا: ان عودة القيادة الشمولية القديمة الى المشهد السياسي الجنوبي الحالي أعادت معها مخاطر انزلاق الثورة والمجتمع الجنوبيين وتحاول جرنا الى مرحلة الصراعات والخلافات على الزعامة ومن يظن ان زمن النظام الشمولي قد ولى بسهولة فقد خاب ظنه لان الاسباب مازالت قائمة وستنتج شمولية جديد حتما بأشكال عصرية مختلفة لا تختلف عن ديمقراطية وتعددية علي عبدالله صالح او حسني مبارك وقد بدأنا نحصد ثمارها في مرحلة التحرر الراهنة لذا فإن التصدي بحزم الآن وليس غدا لشبح الشمولية والديكتاتورية وكشفهما وتعريتهما امرا يمثل اولية قصوى في نضالنا الراهن.

رابعا: ان القيادات التي ارتبط تاريخها بالويلات والمآسي لم تستفد من الرغبة الحقيقة لشعب الجنوب في طي صفحات الماضي وتجسيد ثقافة التصالح والتسامح فعادت لسيرتها الاولى في محاولة اقصاء القيادات الميدانية التي لا تواليهم وخلق الانقسامات والصراعات داخل بنى الثورة واعاقة تشكيل قيادة موحدة لها بل ومحاولة المتاجرة بالثورة والتلاعب بمشاعر شعب الجنوب والقفز على ارادته والتواصل سرا وعلانية مع الاطراف المتنفذة في نظام الاحتلال اليمني والمساومة على مستقبل الثورة ومصير شعب الجنوب ضاربين بعرض الحائط بالإرادة الشعبية وبكل هذه المعاناة والتضحيات اليومية الجسيمة لشعب الجنوب العربي.

خامسا : ان من كان في السلطة لربع قرن واضاعها واضاع معها وطن بأكمله بأخطائه وقدم نموذجا في الحكم لا يستحق التقدير وتجاوز سنه اكثر من عقد ونصف الى عقدين بعد مرحلة التقاعد المتعارف عليها عالميا وصحته لا تقوى على تحمل المسئولية في قيادة الثورة لما لا يكون مستشارا وتتاح فرصة لمن هم قادرون على العطاء ممن تخلو سيرتهم من درن الماضي خاصة وان ارض الجنوب ليست عاقرا ولم تنجب غيرهم فهل يقرنوا اقوالهم بالأفعال بأنهم لا يطمعون بالعودة للسلطة .. الحقيقة ان لا احد يتنازل عن السلطة وملذاتها بمحض ارادته وان حصل هذا فهو نادر واستثناء ونحن لسنا منهم لذا كله ولأسباب اخرى لا يتسع المجال لسردها لن نصمت مهما كلفنا الجهر بالحقيقة لان الصمت والنفاق سيقودنا كالقطيع مرة اخرى الى باب اليمن.

أخبار ذات صله