fbpx
قراءة متواضعة في قرار مجلس الأمن 2140

بداية لابد من التأكيد على ” تواضع ” قرائتي لهذا القرار الدولي لسبب عدم تخصصي في شئون القانون الدولي من جهة ولعدم استماعي الى تعليقات اطراف دبلوماسية معنية به من جهة أخرى , ولكني اعتقد ان على جميع ” الأطراف الجنوبية ” التمعن بدقة في مضامين القرار لعوامل عديدة لست بحاجة الى ايضاحها .

وفي اطار هذا التحليل فضلت ان اتطرق الى بعض الملاحظات بشكل تسلسلي يبتعد كثيرا عن النهج المتعارف عليه للمقالات النمطية ! .

ملاحظات اولية :

1 – جرى تسريب ” مضامين أكيدة ” لهذا القرار قبل فترة زمنية غير قصيرة من تاريخ اعتماده عبر التصويت عليه , كما ان ذلك التسريب تكرر اكثر من مرة ! حتى انه تضمن ابرز التعديلات التي حصلت عليه في ” نسخته الأخيرة ” .. وثبت فعليا سلامة تلك التسريبات التي كانت قد اتت من ” مصدر ” واحد !

2 – التمعن في تلك ” التعديلات ” التي حصلت يؤكد تأكيدا قاطعا على حساسيتها من جه ويؤكد ايضا على حجم ” التباينات الدولية ” تجاهها .. والأهم من ذلك انها تعديلات ذات معنى سياسي لا يجب الاستهانة به .

 3 – يعتبر القرار من نوعية القرارات ” الطويلة ” التي نادرا ما تصدر عن مجلس الأمن الدولي ( 12 صفحة ) .

ابرز التعديلات التي حدثت على النسخة الأخيرة :

1-   الفقرة الثانية قبل التعديل تقول : يجدد التأكيد على التزامه القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامة اراضيه .

الفقرة ذاتها بعد التعديل : يعيد تأكيد التزامه الشديد بوحدة اليمن واستقلاله وسلامته الاقليمية !.. ونلاحظ هنا استبدال ” سلامة اراضيه ” ب ” سلامته الاقليمية ” ! .. وحتى عندما عدت الى النسخة الانجليزية وجدت ان الترجمة كانت صحيحة ! والغرابة في الأمر ان السلامة الاقليمية مفهوم سائل غير متماسك ويحمل اكثر من معنى وجديد في نفس الوقت على عكس ” سلامة اراضيه ” .

2 – استحدثت فقرة جديدة في النسخة الأخيرة لم تكن موجودة في سابقتها ! وهي الفقرة السابعة التي خصصت للحديث عن خطر تنظيم القاعدة ! وفي تقديري ان اخطر ما في هذا النص يتمثل في العبارة التي تقول : واذ يشير الى ادراج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومن يرتبط به من أفراد في قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة ! … اي ان هناك ربط ما بين ” افراد ” تم تصنيفهم سلفا من قبل مجلس الأمن او الأمريكان بشكل ادق بأنهم ” مرتبطين ” مع تنظيم القاعدة  بطريقة او بأخرى وانه سيتم ادراجهم في قائمة الجزاءات المفروضة على التنظيم ! وهذه عبارة في تقديري جاءت لهذا الغرض تحديدا, وهي تعتبر هامة وخطيرة لأنها ” مطاطه ” وتترك المجال واسعا لمن يشتبه في تعاونه مع القاعدة اخضاعه لأحكامها.. وأرى ان من سيتم تصنيفهم ضمن هذه القائم  الشيخ عبدالمجيد الزنداني واللواء علي محسن وغيرهما من رجال الدين وحتى من القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الذين يمكن ان تشملهم هذه القائمة التي ستتيح للقوات الدولية ” الأمريكية ” القاء القبض عليهم في عمليات عسكرية شاهدنا امثلة لها في ليبيا وباكستان .. فكيف واليمن الان تحت احكام البند السابع ! واذا كانت هذه الفقرة قد ادخلت بالكامل على نص القرار فهذا يعني بشكل واضح على انها ” فقرة امريكية ” صرفة على اعتبار ان صاحب القرار ومهندسه هو الجانب البريطاني .

3 – في المبادئ التنفيذية الفقرة ( د ) من المبدأ التنفيذي رقم ( 2 )  كان النص قبل التعديل يقول : اصلاح شكل الدولة والاعداد لانتقال اليمن من نظام الوحدة الاندماجية الى النظام الفيدرالي .

اما النص في النسخة الأخير : واصلاح بينة الدولة لأعداد اليمن للانتقال من دولة وحدوية الى دولة اتحادية .! … في تقديري ان التدخل في تغيير عبارة ” الوحدة الاندماجية ” الى ” دولة وحدوية ” يؤكد على وجود ” خلاف دولي ” في تفسير تلك المصطلحات المتعلقة بشكل الوحدة ومفهومها بل انه في جميع الأحوال يعتبر اقرار رسمي من قبل مجلس الأمن بفشل الوحدة اليمنية .

ملاحظات على فقرات تخص الطرف الجنوبي :

1- وضع اليمن تحت احكام الفصل السابع يعني بشكل واضح ان لا سيادة للسلطة الحالية على البلاد اطلاقا , وان الأجواء اليمنية بما فيها اجواء الجنوب البرية والبحرية والجوية باتت مهيأة بموجب القانون الدولي للاستخدام في اي وقت من قبل مجلس الأمن عبر اي اجراء عسكري قد تتطلبه هذه المرحلة قادمة او تلك , وهو ما يعني ان من الغى سيادتنا على ارضنا بالقوة العسكرية يوم 7 / 7 / 1994 م قد جاء اليوم من يلغي سيادته على ارضه وعلى ارضنا ايضا المفقود سيادتنا عليها اصلا .. لنكون كلنا نحن والمحتل لأرضنا في هوى احكام البند السابع سواء .. ولعل الرئيس السابق علي صالح قد عبر صراحة في اول تعليق له على هذا القرار بأنه بات هو الآخر ” محتلا ” !

2- على الرغم من اختلافنا مع السياسة الاعلامية لقناة ” عدن لايف ” تجاه تغطية الثورة الجنوبية بانتقائية لا مبرر لها , الا انها تعتبر في جميع الأحوال سلاحنا الاعلامي الوحيد والذي ينبغي المحافظة عليه , ونرى ان فقرة خاصة في القرار خصصت للإشارة الى هذه القناة , ولابد ان السيد جمال بن عمر قد تلقى ” تحريض ” من قبل اطراف يمنية لإسكات صوت القناة لأنها مقلقة جدا لهم , ولم يجدوا مدخلا لذلك سوى مدخل القول بانها ” تحرض على العنف ” .. وفي هذا الاطار نرجو ان نغلق جميع المنافذ التي يمكن ان تستغل ضدنا في هذا الشأن .

3- في الفقرة الخاصة بطي صفحة رئاسة علي عبدالله صالح .. جاء ما يلي : واذ يرحب بمشاركة وتعاون جميع الجهات المعنية في اليمن , بما فيها الجماعات التي تكن طرفا في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها … وهذه فقرة اعتقد انها من اهم الفقرات التي جاءت لصالحنا على اعتبار انها ” ترحب ” بمشاركة ولا ” تلزم ” او ” تهيب ” او ” تحث ” او ” ترجو ” .. والترحيب يعتبر مفهوم اختياري بالكامل , وهو يعني ان شاركت فنحن نرحب بذلك وان لم تشارك فهذا حقك ! .. لكن الأهم من كل ذلك هو وجود اعتراف رسمي من قبل مجلس الأمن أن الجنوبيين لم يكونوا طرفا في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها .

4- فقرة تدابير اخرى رقم (10 ) جاء هذا الاعتراف بشكل اوضح عندما جاء النص : ويؤكد أن عملية الانتقال التي اتفق عليها ” الطرفان ” في مبادرة مجلس التعاون الخليجي .. الخ .. اذ ان كلمة ” الطرفان ” تؤكد على ان الطرف الجنوبي لم يكن حاضرا ولا مشاركا وان الطرفين هما المؤتمر الشعبي العام وحفاءه واحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه فقط .

 

5- من المؤسف ان يأتي ذكر مسمى ” الحراك الجنوبي ” بشكل صريح وواضح في سياق الحديث  عن ” العنف ” حيث جاء النص كما يلي : ويهيب بحركة الحراك الجنوبي والحوثيين وغيرهما الى المشاركة البناءة ونبذ اللجوء الى العنف لتحقيق اهداف سياسية !! .. وفي رأيي ان هذا تقدير مجحف جدا للحركة السلمية للحراك الجنوبية التي يشهد لها الجميع بأنه مثالا للحركات السياسية السلمية منذ انطلاقتها عام 2007 م , بل ان ” العنف ” و ” القمع ” و ” الممارسات الوحشية ” هي الضد المباشر لهذه الحركة والتي اودت بما يقارب ال 1500 شهيد جنوبي حتى الان وما يزيد عن ال7000 جريح . ولم يكن يوم 21 فبراير الى اكبر دليل على سلمية الحراك الجنوبي ووحشية السلطة المحتلة له , حيث شهدت عدن حالة غير مسبوقة من الوحشية التي مارستها القوات الامنية تجاه المتظاهرين السلميين والتي وصلت حد اطلاق مسيلات الدموع على جموع المصليين ! كما ان القتل والتنكيل الذي يمارسه اللواء 33 في الضالع يعتبر حالة اثبات واضحة جهة تلك الوحشية مع التأكيد ان ما يحدث في الضالع قد كان ضمن فقرات قرار مجلس الأمن قبل ان يشطب في النسخة الأولى قبل المعدلة !  كما اننا نجده ظلما لنا ان نقرن بحركة مسلحة خاضت حروب مع اليمني ولازالت كحركة الحوثيين في حين اننا حركة شعبية سلمية .

وفي هذه الجزئية اود التأكيد على ضرورة ان تسليم اللجنة التي سيتم تشكيلها بموجب هذا القرار بملفات تتضمن جميع الانتهاكات التي طالت شعب الجنوب من قبل سلطات الاحتلال حتى يتعرف المجتمع الدولي على حقيقة ما يحدث ومن هو الطرف الذي يمارس العنف وضد من ! لأني اعتقد ان تقارير جمال بن عمر هي تقارير تهدف الى تحقيق غرض سياسي معروف في حين ان هذه اللجنة ستكون ” محايدة ” .. وفي هذا المجال ايضا اتمنى على جميع الفصائل السياسية الجنوبية التأكيد على سلمية الخيار النضالي لنا في جميع البيانات لأنه سلاحنا ” الأمضى ” و” الأقوى ” الذي وضع الاحتلال في موقف الدفاع .

 

ملاحظة أخيرة :

ان الاهتمام بتفسير قرارات مجلس الأمن الدولي مسألة تأتي ضمن عملنا ونضالنا السياسي من اجل الحرية والاستقلال غير مضخمين لمعنى ودلالات القرار وغير مهملين له , وبما يجعلنا في موقع المستفيد من ايجابياته والمتفادي لسلبياته , كما ان الحقيقة الأهم والأبرز ان قوتنا الحقيقية في اظهار حقنا وانتصارنا تكمن في ” ثقتنا ” بأنفسنا واعتبار ان ارادتنا وعزيمتنا في مصدر انتصارنا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى , فما تحقق لنا من انتصارات حقيقية وضعت قضيتنا اليوم على الطاولة الدولية في مجلس الأمن هي بكل المقاييس مسألة لا يستهان بها ابدا , وهي وحدها من وجهة نظري تكفي لخفض معدلات الاحباط لدى الشارع الجنوبي الى اقصى حدودها , اذ علينا ان نقدر ونفخر بحجم الانجازات التي تحققت لنا على صعيد التعريف بقضيتنا وفرضها على المستويين الدولي والاقليمي , وهي القضية التي لم تك معروفة نهائيا لمن يحتلون مقاعدهم في مجلس الأمن الدولي الآن .. ولكن على القيادات السياسية ان تعترف ان ” شعب الجنوب ” وتضحيات هذا الشعب وعزيمته واصراره هي التي انجزت كل تلك الانتصارات وليس سواها ! واما الاداء السياسي الجنوبي للقيادات فهو الذي كان مع الأسف الشديد مخيبا للآمال واقل مما هو مطلوب بكثير.

*نقلاً عن عدن الغد