fbpx
أبناء الاحتلال

 

قال التلاميذ لمدرسة الفصل:

لا داعي للدروس اليوم..دعينا نذهب عائدين إلى بيوتنا فان آباءنا في قلق.

قالت المدرسة :

درس اليوم هام جداً !

قال التلاميذ ببرأة الصغار:

وهل هو أهم مما يجري عندنا ؟

قالت المعلمة:

إنه متمم لما يحدث..ضعوا أمامكم كتاب التاريخ المقرر..فتح الصغار الحقائب والأدراج واخرجوا الكتاب..

قالت المعلمة:

والآن مزقوا الصفحة رقم 29 !

قال أحد التلاميذ في دهشة:

نمزق الكتاب ! هل هذا معقول؟ ماذا أصابك يا سيدتي ؟!

قالت المدرسة وهي تحاول كتمان مشاعرها:

ليس هذا شأنك، مزّق الورقة!

استنكر باقي التلاميذ ذلك..ولكن المعلمة أمسكت احد الكتب في غضب ومزّقت الصفحة..بكى التلاميذ وهم يقلدونها…

واستمرت المدرسة تقول:

صفحة 35

قال احد التلاميذ ساخراً:

لم يحدث هذا من قبل !

ومرة أخرى أمسكت المدرسة كتاباً ومزقت الورقة، ولكنها احتفظت بها أمامها لتأخذها معها..

وتبعها التلاميذ يمزقون الورقة في أسى..

وتكررت العملية أكثر من مرة.

قالت المدرسة:

أما في الصفحة 82 فلا داعي لتمزيق الصفحة..واطمسوا بعض السطور، وأخذت تملى أرقام هذه السطور.

قال احد التلاميذ:

كيف نفعل ذلك؟

قالت المدرسة:

بالقلم..بالحبر..لا تجعل سطراً واحداً يظهر..

قال تلميذ:

تريدين أن نمحو تاريخ بلادنا ؟

قالت المدرسة التي انفجرت بدورها باكية:

هذا ما اعنيه، وما اقصده..نعم من الآن يجب أن نمحو تاريخ بلادنا..

قال أول الفصل:

لاحظت انك تمزقين الصفحات والسطور التي تتحدث عن مجدنا القديم، وعظمتنا الخالدة..

أجابت المدرسة:

نعم..من الآن يجب أن يتغيّر التاريخ..

قال تلميذ:

ولكن كل هذا جرى فيما مضى، ولا يملك احد أن يمحو الماضي، وان يبدله، انه جزء من تراثنا القومي.

قالت المدرسة وهي تنهي الحصة:

إن تاريخ اليابان سيتغيّر ابتداءً من الآن..الأسطول الأمريكي يرسو هذه اللحظة على شاطئ القرية..قريتنا..

وغادرت الفصل دامعة العينين..!.

ما ذكر جزء من مشهد يتكرر كل يوم في رواية “أطفال ماك أرثر” للكاتب الياباني “يو آكو” مصوّراً (أبناء الاحتلال) !.

لو نأتي هنا ونسقط تلك الدلالات على الوضع في الجنوب..فسنجد الرواية تواصل فصولها وحواراتها الدامعة، لكن الفارق أن المعلمة لم تطلب من التلاميذ تمزيق الأوراق الخاصة بتاريخ بلادهم، بل (الغزاة الجدد) هم من بعثروا تاريخنا، ومزقوا صفحاته، وكأنهم في عداء معه، وليس مع أبناءه….!.

يستطيع المحتل بقوته وجبروته وعتاده بسط نفوذه ومد أرجله على الأرض الطيبة.. “بس” لا يمكنه من احتلال أنفسنا مهما عمل وزرع وحرث..وهذا هو النصر العظيم للأحرار.