fbpx
مكتبة الموسيقى العربية .. كنز لعمالقة الموسيقى والغناء منذ عصر النهضة
شارك الخبر

بيروت: مازن مجوز
من شغف بالموسيقى، إلى هواية جمع ما ندر من الأسطوانات، تحول منزل اللبناني وليد خويص إلى ما يشبه المتحف، فجدرانه تحتلها واحدة من كبرى المكتبات الموسيقية في العالم العربي، إذ تحتوي إرثا موسيقيا غنائيا عربيا كبيرا، لا سيما ما ندر منه منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا. فبعد عمل عائلي دؤوب منذ 28 سنة، باتت المكتبة تجمع الآلاف من التسجيلات والأسطوانات المهمة والمئات من القطع النادرة في الشرق الأوسط لعمالقة الموسيقى العربية والغناء، وتحولت إلى إرث يجسد تاريخ تطور الموسيقى في مراحلها كافة لفنانين وفنانات منذ عصر النهضة.

ويقول خويص في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي زارته في منزله: «مكتبتي تبهر الزائر وهي منظمة بدقة وبحسب الأنواع والمراحل، جمعت محتوياتها بـ(السراج والفتيلة)، سنوات قضيتها في البحث عن موسوعات الموسيقى، وروادها فنانون برعوا في تأليفها وتأديتها». ويضيف: «وسام الخلود الفرنسي لم تمنحه الدولة الفرنسية عن عبث لثلاثة عمالقة وهم: شوبان وبيتهوفن وفريد الأطرش الذي غنى (الحياة حلوة بس نفهمها)، لكن وللأسف نحن نسينا أصالة فننا الكبير وجذورنا وتاريخنا. وفريد الأطرش هو جزء من تاريخ العالم العربي، إذ أرسى فيه مدرسة فنية فريدة تحمل اسمه».

زيارة المتحف والمكتبة مجانية، وعائلة خويص لا تتوخى الربح المادي، وإنما هدفها نشر ما لديها من كنوز فنية أمام كل من يعشق الفن القديم. عندما يعود أبو حمادة من عمله (كمحاسب في بلدية الشويفات) إلى منزله في البلدة ذاتها (جنوب بيروت) يترك كل الأرقام في مكتبه ليكون على موعد يومي مع فنانه الأول الراحل فريد الأطرش، الذي يقول إنه يعاتبه لتأخره عنه بـ«أضنيتني بالهجر»، ومحمد عبد الوهاب «قولي عملك إيه قلبي»، وأم كلثوم بـ«أنا بانتظارك»، وعبد الحليم بـ«توبة»، وعبد المطلب وأسمهان وسيد مكاوي وسيد درويش وفيروز وشادية، وغيرهم كثيرون وروائعهم الغنائية أكثر.

تعود فكرة إنشاء المكتبة إلى الصدفة، صدفة عاشها خويص في عام 1986 عندما دعي مع صديقين له إلى دورة ألعاب موسكو الأولمبية وكان عرض في مسرح «البولشوي»، حيث قدمت مقطوعات موسيقية لباخ وبيتهوفن و«يا زهرة في خيالي» للموسيقار الراحل فريد الأطرش. ويتابع خويص: «دهشت بعزف (ساعة بقرب الحبيب) وبـ(نادي عليك) من فرقة عدد أفرادها 120 شخصا، تعزف لفريد في عاصمة أجنبية، واكتشفت أيضا أن العازف العالمي (فرانك بورسيل) يعزف لفريد الأطرش. كنت فخورا لأن الغرب أخذ منا». حشرية خويص جعلته يتعرف على قائد الفرقة ليكتشف أنه سوفياتي ويدرس في جامعة موسكو موسيقى فريد الأطرش ورياض السنباطي.

حادثة دفعته – فور عودته إلى لبنان – إلى اتخاذ قرار بإحياء التراث العربي من خلال إقامة «مكتبة الموسيقى العربية» لمشاهير قدموا عصرا ذهبيا قد لا يتكرر.

من موسكو أحضر عاشق فريد الأطرش 16 أسطوانة للأخير عام 1986، من تركيا 12 أسطوانة وثلاثا من إندونيسيا، وكذلك أسطوانات من فرنسا وإسبانيا والسويد.

أما عائلة خويص التي عايشت شغفه، فقد أصبحت الموسيقى جزءا مهما من حياتهم.

بدوره، يوضح حمادة أنه «وحتى اليوم هناك 142 مطربا ومطربة قمنا بعملية (تنقية) لتسجيلاتهم»، ويشرح «نقلنا أصواتهم إلى نظام الديجيتال وأحيانا الصورة أيضا، وجرى الاحتفاظ بها على (هارد ديسك) تحسبا لأي طارئ وهذا ما شكل العمود الفقري لمكتبتنا»، لافتا إلى أن الزائر يشعر كأن المطربين والمطربات الراحلين يغنون بيننا بحلة جديدة وبشكل نقي، وهذا هو القسم الأول من المكتبة.

أما إياد الذي يعمل في أستراليا ويتنقل بين دولة وأخرى فيحرص على إغناء هذه المكتبة المتجددة دائما. بمجهود شخصي، حصل خويص على أسطوانات منوعة من شركة «أوديون» – وغيرها الكثير من الشركات، ويوجد أسطوانات تحتوي على أدوار وموشحات وطقاطيق (وهي جمع طقطوقة التي ظهرت في أوائل القرن العشرين). وأيضا توجد مكتبة كلاسيكية تحتوي على أهم أعمال بيتهوفن وباخ وموزارت وشوبان وتشايكوفسكي وغيرهم.

ويؤكد خويص أنه «رغم أن المشروع مكلف جدا، فإننا سنبقى نواجه التحديات، منها ضرورة التنقل إلى الكثير من الدول للتنقيب عن جذور الأسطوانات والسعي إلى جمعها وهي قليلة الوجود»، مشيرا إلى «إنني ما زلت حتى اليوم أتلقى دعوات داخلية وخارجية لإحياء ذكرى هؤلاء الكبار». ويعد هذا الجهد من الأسباب التي دفعت أهل الفن والثقافة في لبنان إلى تكريم خويص بالكثير من الميداليات والدروع والأوسمة.

واستكمالا لهذا المشهد الفني، قام خويص ونجله حمادة منذ سنوات بتخصيص جانب من المكتبة لمئات الآلات السمعية والبصرية قديمة العهد ومعظمها أصبح نادرا، من بينها أجهزة السينما والراديوهات (يعود بعضها إلى الحرب العالمية الثانية) وآلات تسجيل، وآلات عرض الصور، وكاميرات تصوير سينمائية وفوتوغرافية وآلات تظهير أفلام قديمة، وأجهزة لتقوية الصوت، وجميع هذه الآلات معروضة بقياساتها المتعددة. اللافت أن هذه الآلات أوروبية المنشأ، تعود إلى عام 1890 وما فوق. وجميعها تعمل، وفي حال تعطلت فبإمكان حمادة تصليحها.

المكتبة غنية أيضا بالبرامج الإذاعية والثقافية القديمة التي تعود إلى عام 1930، ومنها المصرية عندما كانت مصر مقصد أهل الغناء والطرب، فضلا عن مقابلات وأحاديث نادرة لفنانين وفنانات عرب وأدباء وشعراء وملحنين. وفي الختام، يدعو خويص جميع المسؤولين اللبنانيين إلى العمل على إعادة إحياء الأغاني الأصيلة وجعلها بديلا عن الأغاني «الرخيصة» التي تهيمن على السوق.

الشرق الاوسط
أخبار ذات صله