fbpx
اليمن .. حكومتين ورئيس !!

المرة الأولى التي تشهد فيها اليمن منذ الوحدة القسرية أكثر من حكومة واحدة منذ الإطاحة بالرئيس السابق في العام 2011 م بموجب المبادرة الخليجية إلا أنه من الضروري ملاحظة أن الحكومات التي سبقت حالة الركود الصريح هذا لم تكن حكومات لها الكثير من السيادة على أرض الواقع ولو بصيص من ممارسة عملها تحت كنف الدولة الضائعة ولا شك أن نمط الحوار الذي جرى بصنعاء في وقت سابق بين الأطراف المتصارعة وفرقاء السياسة أفضى إلى واقع سياسي حرج يصعُب السيطرة عليه خاصة في ظل حالة التشضي الشديد ما بين النُخب القبلية والسياسية التي أرست مقولة أنا والطوفان .. والإنتشار المُخيف للسلاح وغياب أي مفهوم لمؤسسة أمنية قادرة على لعب دور قوة جبرية شرعية وضعف هيكل الدولة بشكل عام نتيجة لنظام بائد أنتهج الإستبداد برعاية الجنرال صالح وجعله حجر عثرة أمام تطلعات الرئيس هادي مما حدى به التفكيك بشكل غير مفهوم ومعقد منذ أن شرع في تفكيكه وتحطيم ولااءاته حتى هذه اللحظة كما أن الضعف النسبي للحكومات التي يعينها الرئيس وعدم تزويدها بإمتلاك ولو ذراع عسكري وطني واحد يخضع لتغطية إستخباراتية دقيقة لجميع الوحدات والأجهزة العسكرية والأمنية التي تقع تحت شرعية الشرعية بوصاية التحالف العربي لما وصل الرئيس الى مرات عديدة من الفشل على الارض إضافة إلى الإخفاق المتكرر في الحد من ظاهرة حمل السلاح والوقوف أمام مطالب المقاومة وإستيعابهم في صفوف المؤسسة العسكرية والأمنية ..

 

أكرر مناشدتي للرئيس وأصحاب القرار وصٌناعة إلى ضرورة رأب الصدع وتجاوز الماضي بصدق والإنتصار للحق والعدالة والمساواة والنظر بجدية إلى داخل الوطن أو المجيئ إلى العاصمة عدن والإستقرار فيها والإشراف على سير وعمل الحكومة التي باتت عاجزة عن أداء مهامها وتتنصل بواجباتها تجاه المواطن مالم فالخلافات السياسية الناجمة عن إهمال وتكدس قيمي ستظل عاصفة مما يؤدي إلى الإعلاء من سطوة الميليشيات والتشكيلات العسكرية المبنية على أُسس إيدولوجية وديكتاتورية أو قبلية أو جغرافية أو جهوية وسينتج عن هذه الحالة ظهور هيكل غير رسمي من التفاعل بين الدولة مُمثله في الحكومة والميليشيات والكتائب التي ساندت الجيش بل والأفراد في بعض الأحيان وخير دليل على هذا التخبط وفي واقعة شهيرة حين أقدم سيادة الرئيس على إستجلاب البنك المركزي إلى العاصمة عدن كمبنى !! وليس كمرفق هام يحتفظ بخزينة الدولة يباشر عمله بسيولة مالية وليس بإطلال وشبح يتداعى عليه القوم متى ما حان موعد آخر الشهر .. لم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي تجلى فيها حجم التخبط لسيادته بل عدم قدرة الحكومة برئاسة بن دغر المحسوب ضمن المنظومة الفاسدة التي يرعاها الرئيس السابق عدم قدرتها على السيطرة على مفاصل الدولة المختلفة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الخدمية.

 

والهدف مما سبق هو توضيح أن حالة الخلاف السياسي الذي تشهده البلاد ومرحلة السيادة المتعددة الموجودة بين الجنوب والشمال لم تكن فقط نتيجة لظهور كيانان متصارعان يدعي كل منهم الشرعية والوطنية بل هي حالة سياسية مُعقدة بدأت إرهاصاتها في فترة الحوار الوطني وأروقته المتشعبة حينذاك والذي عانى من إنشقاقات سياسية حادة بين الشخصيات السياسية مما أفضى إلى خلافات سياسية تم تعزيزها عسكريا من خلال إستخدام الوحدات العسكرية وفيالق تدين للولاء لشخص الرئيس السابق ومنظومته العائلية والجماعات المُسلحة المُختلفة التي كانت مبنية على إنتماءات سياسية وولائية أيضاً في المقام الأول ومن غير الممكن الإسهاب في الحديث عن الحوار الوطني وفرصه وآفاقه وتحدياته دون البحث في جذور المشكلة التي كانت سبباً فيما آلت إليه الأوضاع في اليمن والمتمثلة في قضية الجنوب ومطالب شعبه الشرعية فلا يعد الوضع الحالي في اليمن بشكل عام نتاجا لمشكلة واحدة من الممكن تحليلها بمعزل عن مجموعة العوامل التي تُعد سبباً مباشراً لحالة الإنقسام السياسي فإذا ما بحثنا عن مرحلة إنطلاق جذري للحالة المؤسفة التي تمر بها البلاد الآن والفرص القليلة المتاحة أمام الرئيس خاصة في ظل الأداء الهزيل لإسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الأمين للأمم المتحدة في اليمن الذي أخفق مؤخراً في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن ..

 

وقد اتضح هذا بجلاء لا يقبل اللبس من تقرير المبعوث الأممي بكل صراحة أن تعبير القيم المنصفة والعادلة لا يعني الانتصار للوطن بشقيه مثلا وإنما يعني الانتصار للمصالح الذاتية على نحو ما يراها الغرب مع تغليف رؤيتهم بمصطلحات وتعبيرات كثيفة تعطي الإيحاء القوي بالإنحياز لعملية السلام إذا ما كان هذا التغليف ممكنا وإلا فإن تعبير المصالح المشتركة بين الغرب ودول الإقليم مع فجاجته وقسوته قادر على التكفل بإقناع كل صانع للقرار -مهما أبدى من مثاليات- قبل أن يتوجه لإقناع الرأي العام العالمي وفي الأخير سنصبح ضحايا لانتحاري لايفقه في السياسة شيئا ولايعي كيف يخرج من عنق الزجاجة التي تحاصر الملايين وتجعلهم يضيقون ذرعا بحكومة جعلت نفسها مغلاقا للخير والانفراج ومتفسخة بممارسة العبث والخوض في بحر لجي يملؤه هواء فاسد تفوح رائحته مصطحبة بجوها جمود الحكومة وموتها السريري ..فهل سيكون الشعب أمام خيارات أسوى من هذه تخوله في النيء عن ذاته ليعيش عذاب آخر ..!! أنها الكارثة والموت البطيء للكائن البشري اليمني فهل يدرك الرئيس وطنه ..