fbpx
نحن والدولة مستقبلاً ..

حتى الماضي القريب كان الجنوب دولة ذات سيادة ومؤسسات وأجهزة تنفيذ ورقابة وقضاء ، ومعظم كوادرها المدنية والعسكرية والمهنية والتعليمية لا زالت موجوده ، بمعنى أن الدولة كانت موجودة ومكتملة الأركان وحتى مع دخولها في وحدة مع دولة أخرى إلا أن عرقها لا يزال ينبض بالحياة .

المؤسف أن من يرقب حالنا من قريب يلاحظ مدى التخبط والعشوائية السائدة في عمل الحراك وافتقاره لأدنى معايير العمل المؤسسي التنظيمي ، ودافع الأسف هنا يكمن في أن الحراك يضم في صفوفه معظم كوادر الدولة الجنوبية السابقة سواء مدنية أو عسكرية المشهود لها بالكفاءة والاقتدار ، ومع ذلك تشهد مسيرته أدنى درجات المسؤولية الانضباطية والتنظيمية ، وكأن الجنوب في حاضر وقته قد تناسى تماماً أنه كان دولة يقودها ذات الأشخاص الذين يتصدرون مشهد الثورة ولا أقتصر في كلامي أو أقصد السياسيين وإنما الكوادر المدنية والعسكرية ممن باتت جزء من تكوين الحراك بعد أن تم تسريحها من وظائفها .

السؤال الذي يطرح نفسه في حال نال الجنوب استقلاله سواء الاستقلال الفوري التام المفروض أم باتفاق يحصل بموجبه على فيدرالية مزمنة تعطيه الحق في إدارة الجنوب في المدة الفاصلة حتى الاستفتاء على تقرير المصير هل بمقدور الحراك إدارة هذه الدولة الوليدة ..؟

الجواب بمجمله العام يقول أنه في حال استعدنا دولتنا في حاضر وقتنا فإننا لن نواجه صعوبة في إدارة مرحلة انتقالية تتبع إعلان الدولة مباشرة وتسبق التسوية الرسمية لهيكل الدولة المستقبلي ، على أن النجاح في هذا لن يكون بانفراد الحراك بإدارة هذه الدولة ولكن بشكل وظيفي يجمع كل الطيف الجنوبي من هم في الحراك ومن هم في السلطة وهم الركيزة الأهم كونهم لا زالوا على ارتباط بواقع الحياة العملية وفي ذروة أداءهم الوظيفي ، لذا فإن وجودهم سيكون بمثابة دعامة قوية تضمن توازن الأداء ودقته وسيره إلى مبتغاه بطريقة خالية من التعقيد .

تنظيم الدولة وإدارتها له جوانب عدة سياسية ومدنية وعسكرية ، من الناحية العسكرية وهي التي بقدر ما تتراءى أنها الأسهل تبدو الأصعب ، وجذر صعوبتها يبدأ من عملية تسريح العسكريين الجنوبيين من الجيش بعد حرب (1994م) ، مما أدى بعد سنوات بالتحديد في (2007م) إلى إشعال فتيل الثورة وانطلاقة الحراك ، ومن هذا الأساس ضم الحراك في صفوفه القيادية وقواعده الشعبية الكثير من منتسبي الجيش الجنوبي ، ورغم كل الزخم العسكري الذي طغى على الحراك والمتمثل في شخوص العسكر الذين يمثلون قاعدة عريضة من قيادة وجمهور الحراك إلا أن الحراك لم يقدم واقعاً عملياً ملموساً يؤسس على أثره تشكيل عسكري يكون بمثابة درع للثورة – وإن كانت سلمية – ونواة لمستقبل جيش الدولة القادمة التي يسعى لها ، لذا من يشاهد حالياً مجريات الأحداث يُدرك كم هي عميقة هذه الثغرة التي يعاني منها الحراك والتي أفقدته عامل السيطرة الفعلية على الأرض لوقت مضى وحالت بينه وبين حسم مجريات الصراع العسكري الذي يحدث بين الوقت والآخر مع الجيش اليمني .

الدولة التي تولد من رحم المعاناة وتأتي من باب الثورات لا تبنى إلا بالتوافق والتوازن بين كل أطياف العمل السياسي والتنظيمي والعسكري فيها ، ومحاولة القفز على هذه الحقيقة لن يسبب سوى الفشل الذريع للدولة الوليدة ، ويصيبها في مقتل ، ويتطور الحال الناتج الانفرادية في قيادتها إن وجدت من خلاف إلى نشوب حرب تقضي على أي بصيص مستقبلي في أن تحفظ وتتمسك بجغرافية وجودها كدولة ذلك أن التشتت سيكون مصيرها قبل أن تكتمل عملية ولادتها .

لذا من هنا هي رسالة أوجهها في حال نجحت الثورة واُستعيدت الدولة أن التوافق وقبول كل مكونات العمل السياسي والعسكري الجنوبي من هم الحراك ومن لا زالوا في السلطة هو شرط بقاء هذه الدولة الوليدة ، وأن أي محاولة انفرادية لاعتلاء الحكم لن يكون حالها إلا حال أمثلة حية نعيشها في ليبيا وغيرها وهي حال مصبوغة بالتشرذم والاقتتال الداخلي الذي لا وقت معلوم لنهايته ولا أفق تتضح فيه معالم النهاية .