fbpx
الحراك الجنوبي ، ومخاطر عقلية الماضي

  الحراك الجنوبي ، ومخاطر عقلية الماضي

           صالح محمد قحطان المحرمي 

 إن التجربة السياسية التي مر بها الجنوبيين قرابة نصف قرن كافية وكفيلة لان يتعلم ويتعظ قادة الحراك الجنوبي من أخطاءها وسلبياتها وان يؤخذوا منها الدروس والعبر لكي لايسمح لتكرار تلك السياسات والقرارات الخاطئة والصراعات الدموية الجنوبية الجنوبية وتأتي في مقدمة تلك التجارب والدروس :

التجربة الأولى : تفرد الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني في مصير الجنوب ومستقبل الجنوب نتج عنه فرض نظام ذات توجه اشتراكي بعيدا عن واقعنا العربي والإسلامي ،، استعدى هذا النظام الكثير من القوى الجنوبية تحت شعار التقدمي والرجعي ومحاربة الثورة المضادة وتصفية بقايا الاستعمار والسلاطين الخ ،، ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب ،، ونتيجة لتلك العقلية وسياسة التفرد والإستقوى والوصاية ادخل الجنوب في دوامة وسلسلة من الصراعات الجنوبية الجنوبية .

كما استعدى هذا النظام جيرانه في الجزيرة والخليج وبقية الدول العربية والغربية تحت شعار محاربة الرجعية والامبريالية وتصدير الثورات ،، وبدلا من أن يمد النظام الجديد يده لجيرانه وإخوانه العرب ذهب ليمد يده بعيدا لإقامة علاقات وتحالفات وصدقات مع كوبا في أمريكا اللاتينية والقوقاز في الاتحاد السوفيتي ، تحت شعار يا عمال العالم اتحدوا، الخ ،،

التجربة الثانية : القرار الغير مدروس في  الدخول في الوحدة عام 90م الذي تسبب في معانات شعب وضياع وطن ،، حيث ذهب الفريق المنتصر في 13 يناير بقيادة الرئيس البيض ليمد يده بعيداً هذه المرة كذلك للتوحد مع سلطة صنعاء في اليمن الشمالي لترتيب البيت اليمني بينما كان الأجدر أن يرتب البيت الجنوبي أولا وان يمد يده للتوحد مع أخوانهم الجنوبيين في الرابطة وجبهة التحرير والسلاطين وأصحاب 13 يناير وغيرهم من القوى السياسية الجنوبية الأخرى،،

السؤال ؟؟ هنا هل تعلمنا من تلك التجارب ؟

ما يعتمل اليوم وما نشاهده على واقع المسرح السياسي الجنوبي في التعامل والتعاطي بين مختلف القوى السياسية الجنوبية عموما وبين مكونات الحراك وفي إطار كل مكون خاصة يؤكد لنا إننا لم نتعلم من دروس وعبر الماضي ،، فلا زالت هناك أيادي تمتد بعيدا وأصوات وممارسات لبعض قياداتنا وبنفس العقلية لأعادت أنتاج الماضي بأزماته وخلافاته وبثقافتها المخونة والرافضة للأخر وبتلك القرارات الغير مدروسة والسياسات المخسرة والخطاب المستفز والشعارات العاطفية المتطرفة التي تذكرنا بأيام السبعينيات وان اختلفت تسمياتها بل وبنفس بعض شخوصها كذلك ، وكأن التاريخ يعيد نفسه  ؟؟؟

أن هذه العقلية حتى وان لبست ثوب الديمقراطية والتعددية وقبول الأخر ورفعة شعاراتها تجدها هي نفسها تلك العقلية القديمة في سلوكها وممارساتها ، والمشكلة الأكبر إن بعض الشباب الذي يفترض إن يكونون خالين من ثقافة الماضي نجدهم أكثر تشددا وتأثرا بهذه العقلية الأقصائية المخونة والرافضة للأخر وهذه هي الكارثة بعينها ،  ولازالت هذه العقلية تقف اليوم عائقا أمام كل جهد يبذل لترتيب وتوحيد البيت الجنوبي ، وتشكل خطراً حقيقياً يهدد القضية الجنوبية برمتها.

ماهي الدروس التي ينبغي ان نتعلم من تجارب الماضي ؟؟؟؟

الدرس الأول : إن لا يسمح الجنوبيين مجددا أو أن يسلمون رقابهم مرة ثالثة لإين كان فردا أو حزبا ليقرر مصيرهم أو يفرض عليهم نظام أو واقعاً لا يريدونه كما حدث بعد الاستقلال أو كما حدث في عام 90م

الدرس الثاني : الذي ينبغي أن نتعلم منه هو إن لا يسمح الجنوبيين لتكرار تجربة صراع الجبهة القومية وجبهة التحرير وصراعات الجبهة القومية والحزب الاشتراكي نفسه .

الدرس الثالث : أن مستقبل الجنوب واستقراره مرهون بشراكة كل القوى السياسية الجنوبية وانه محال أن ينفرد فرد أو قبيلة أو حزب بإدارة ومصير الجنوب .

الدرس الرابع : إن استبعاد أو استعداء أي قوى سياسية وتهميشها من المشاركة في العملية السياسية وإدارة شؤون الوطن سيحول هذه القوى بالضرورة إلى ضد من استبعدها أكان حزبا أم نظاما ولنا في تجربة القوى السياسية التي أقصية أثناء وبعد الاستقلال بما فيهم أصحاب 13 يناير خير دليل والتي نزحت للشمال ودول الجوار وأنشأت لها معسكرات وظلت تستخدم ضد النظام في الجنوب ، وفي حرب 94م كانت هذه  القوى كلها في مقدمة القوات الشمالية التي اجتاحت واحتلت الجنوب،،

الدرس الخامس : إن الشعب الجنوبي هو شعب عربي مسلم وهو جزء من الأمة العربية يتأثر ويؤثر بحكم روابط الأرض والعروبة والدين والمصالح والعدو العربي المشترك وتربطه بجيرانه في الجزيرة والخليج علاقات تاريخية وإستراتيجية وان استعدى الجيران ومحيطنا العربي قد جعل اليمن الديمقراطي في عزلة سابقا .

 

الخلاصة :

لقد أثبتت التجربة إن صراعات الجنوبيين التي أذاقوا مرارتها ودفعوا بسببها أثمانا باهظة تحت يافطات المبدئية والثورية والتقدمي والرجعي والثورة والثورة المضادة والعمالة والخيانة ويسار ويمين وطغمة وزمرة الخ ،، وما يطلق عليها اليوم بأصحاب تاج والاشتراكي والفدرالية وقوى الاستقلال وجنوب عربي ويمن جنوبي والخلافات بين مكونات الحراك وفي اطار كل مكون الخ ،، ما هي إلا  نتاج العقلية الاقصائية في الصراع على السلطة ومغانمها ولازلنا نعاني منها إلى اليوم في مسيرة الحراك الجنوبي السلمي حيث لازال إشهار سلاح التخوين يبرز ويلوح به عند كل خلاف سياسي ،، وفي تبرير كل فشل،، وفي إحباط أي نجاح أو تقدم للآخر،،

ولذلك فأنه بدون إن نقبل بعضننا البعض ،، وبدون إن يحترم كلا منا الأخر ،، وبدون الحوار ،، وبدون إن تحول عملية التصالح والتسامح إلى سلوك وممارسة وثقافة ،، وبدون التمثل بتعاليم ديننا الحنيف ،، وبدون إن يمتلك الحراك خطاب ولغة جنوبية جديدة تستوعب التنوع السياسي والمصالح الجنوبية المشتركة وموازين القوى الخارجية ،، وبدون  قيام تحالف جنوبي جبهوي واسع يلتقي الجنوبيين فيه على ميثاق شرف وقواسم مشتركة ،، وبدون آلية للعمل الجنوبي المشترك المنظم توحدهم وتنهي حالة الانقسام والتمزق ،، وبدون رؤية تطمئن الناس وتؤمن مسيرة النضال نحو مشروع وطني جنوبي حضاري يلبي تطلعات وأحلام شعبنا في تقرير مصيره بنفسه ،،، بدون كل ذلك فأننا سنظل نعاني ونشتكي ونصيح من خلافاتنا ، وسنظل عرضة للاختراق وللابتزاز،وسيظل الجنوب مسرح للصراع الإقليمي والدولي وحقل تجارب ، ويظل القرار الجنوبي رهينة الخارج كما كان ،، وسيظل الخوف من تكرار صراعات الماضي وارداً ومشروعاً ،،

المطلوب اليوم من مختلف النخب السياسية الجنوبية وتحديدا قيادات الحراك الجنوبي السلمي ان تثبت بالملموس وبصدق من خلال السلوك والممارسة والأفعال أنها قد تعلمت من دروس الماضي وعبره وإنها لا يمكن إن تسمح لعودة تلك الممارسات وتكرار تلك الصراعات التي مزقت الجنوبيين وخسّرتنا وطن،،

لقد ضيعنا الجنوب بتطرفنا وأنانياتنا وتأمرنا على بعضنا البعض ولذلك فأن على شباب الجنوب الواعي المخلص أن لا يسمحوا لتلك العقلية مرة أخرى أن تحرمهم من تحقيق حلمهم في استعادة دولتهم وبناء جنوب جديد خالي من ثقافة وأحقاد الماضي ،، جنوب جديد يتسع لكل الجنوبيين لايستثني ولا يقصي احد ،، جنوب خالي من الصراعات ينعم فيه الجنوبيين بالأمن والسلام والحياة الحرة الكريمة .

            19 أكتوبر 2012م