fbpx
قرار مجلس الأمن 2140 والقضية الجنوبية

 

مقدمة

في تاريخ 25 فبراير 2014 صدر قرار مجلس الأمن رقم 2140 بخصوص اليمن وقد اختلفت الآراء حول أهمية القرار ومدى تأثيره على واقع ومستقبل اليمن بشكل عام إضافة الى ما يعنيه القرار بالنسبة للقضية الجنوبية على وجه الخصوص. وبما انني مهتم اكثر بما يعنيه القرار للقضية الجنوبية فقد اجتهدت في طرح وجهة نظر حول مواد القرار ومحاولة تحليلها موضوعياً بغية الوصول الى رأي مستقل عن العاطفة او الميول وأردت ان أشارك القراء والمتابعين ما استنتجته من تحليلي وتقييمي للقرار من وجهة نظري الشخصية المتواضعة لعله يثري النقاش والجدل القائم حول الموضوع هذه الأيام.

وفي الحقيقة ما دفعني الى نشر هذه المساهمة اساساً هو ذلك التخبط والتباين المقلق بين الآراء المعلنة من قبل بعض القيادات والساسة الجنوبيين حول ما يعنيه القرار – فالبعض منهم اعتبر ان القرار يعتبر اعتراف بالقضية الجنوبية ويشرعن التدخل الدولي في اليمن, وكأن ذلك التدخل سيتم لتحرير الجنوب – بينما هناك الطرف الأخر الذي يقول ان القرار لا يعني الجنوبيين لا من قريب ولا من بعيد … وهي للأسف عبارة تكرر استخدامها اكثر من اللازم من قبل القيادات الجنوبية وفي بعض الأحيان بدون مسئولية في مراحل كان ينبغي ان تعنينا الكثير من وقائع تلك المراحل وتطوراتها.

لقد تعمدت ان تكون مساهمتي هذه مبسطة في صياغتها لأن من يهمني ان يفهم مضمونها والرسائل التي تحملها هو المواطن الجنوبي العادي الذي تهمة القضية الجنوبية اكثر من القيادات وبعض “الخبراء” الجنوبيين الذين يستغلون مكانتهم القيادية او قدراتهم العلمية او منابرهم الإعلامية في تضليل الحقائق وبث الأوهام للشارع الجنوبي بأمور ليست هي الحقيقية ويستخدمون اللغة المستعصية على الشارعً ويمزجونها بلغة العاطفة والشعارات الرنانة ليخلقوا عند المواطن الجنوبي شعور بأن هذا القيادي او ذاك الخبير قد أنزلة الله رحمة على الشارع الجنوبي لكن في الواقع هذا الصنف من القيادات والخبراء ليسوا الا مصيبة انزلها الله على هذا الشعب ومصدر للإرباك وسبب للفشل الذي بات الجميع يتحدث عنه هذه الأيام. وللأسف لا زال الشارع الجنوبي الى يومنا هذا موهوم بالبعض منهم لكن لعل الأيام ستظهر كل إنسان على حقيقته.

العناوين العريضة للقرار2140

 

حتى لا نتوه في تفاصيل القرار … ما يلي من وجهة نظري هي العناوين العريضة للقرار:

اولاً: يؤكد القرار التزام مجلس الأمن الشديد بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية (الفقرة 2 من مقدمة القرار).

ثانياً: يرحب مجلس الأمن بنتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل (الفقرة 4 من مقدمة القرار).

ثالثاً: يدين مجلس الأمن جميع الأنشطة الإرهابية ومنها التي تستهدف البنى التحتية للنفط والغاز والكهرباء … (الفقرة 8 من مقدمة القرار).

رابعاً: يجدد القرار دعمه لما تقوم به الحكومة اليمنية في سبيل حفظ الأمن وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية … ودور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم حكومة اليمن في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية (الفقرة 11 من مقدمة القرار).

خامساً: يرحب مجلس الأمن بالتقدم المحرز مؤخراً في عملية الانتقال السياسي في اليمن ويعرب عن تأييده الشديد لاستكمال الخطوات التالية من عملية الانتقال بما في ذلك صياغة دستور جديد لليمن, تنفيذ الإصلاح الانتخابي , إجراء استفتاء على مشروع الدستور, إصلاح بنية الدولة لأعداد اليمن للانتقال من دولة وحدوية الى دولة اتحادية وإجراء الانتخابات في الوقت المناسب (المادة 2).

سادساً: يهيب القرار بالحراك الجنوبي والحوثيين على المشاركة البناءة في العملية الانتقالية ونبذ اللجوء الى العنف لتحقيق أهداف سياسية (المادة 3).

 

اعتماد المجلس التعامل مع حالة اليمن وفقاً للبند السابع

اعتبر المجلس ان الوضع في اليمن يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وعلية قرر المجلس التعامل مع الحالة بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة – وتضمن القرار ما يلي:

1. أكد المجلس من جديد على الحاجة الى تنفيذ عملية الانتقال السلمي بشكل كامل … تماشياً مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي واليته التنفيذية وفقاً للقرارين 2014 و 2051 (المادة 1).

2. قرر المجلس ان تجمد الدول الأعضاء دون تأخير, ولمدن سنة واحدة أولية ابتداءاً من تاريخ القرار, جميع الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الموجودة على أراضيها والتي تملكها او تتحكم فيها, بصورة مباشرة او غير مباشرة, الجهات من الأفراد او الكيانات التي تعين أسماءها لجنة العقوبات المشكلة لهذا الغرض (المادة 11)

3. قرر المجلس ان تتخذ جميع الدول الأعضاء لفترة أولية مدتها سنة واحدة اعتباراً من تاريخ القرار, ما يلزم من تدابير لمنع دخول أراضيها او العبور عبرها من الأفراد الذين تحددهم لجنة العقوبات المشكلة لهذا الغرض (المادة 15).

4. حدد المجلس المعايير التي ستعمل عليها لجنة العقوبات عند اتخاذها لقرار فرض العقوبات الاقتصادية او منع السفر – وهي على النحو التالي:

ا) ان تكون الجهة معرقلة لنجاح عملية الانتقال السلمي (المادة 18- ا)

ب) ان تكون الجهة معيقة لتنفيذ النتائج التي توصل اليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال عنف او شن هجمات على البنى التحتية (المادة 18 – ب)

مفاهيم عامة لا بد من فهما للوصول الى قراءة سليمة ودقيقة لما يعنيه القرار:

اولاً: لابد لنا ان نعي بان القانون الدولي لا زال ركيك ويعتبر رهينة لسياسات الدول العظمى ومصالح تلك الدول القادرة على فرض إرادتها وتمرير مصالحها. فالقانون الدولي في الغالب ليس الا آلية لتمرير وشرعنه سياسات تلك الدول القادرة على فرض سياساتها ونفوذها بالطرق المختلفة. فهناك ظاهرة منتشرة عند بعض القيادة الجنوبية وهي الحديث عن القانون الدولي وكأنه قانون ملائكي سيحل قضيتنا عاجلاً ام اجلاً … فذلك غير صحيح اطلاقاً فالقانون الدولي هو في الغالب ليس الا آلية لتمرير سياسة الدول العظمى التي تبحث عن مصالحها ليس الا.

ثانياً: على القيادات الجنوبية ان تعي بأن العالم لن ينظر الى القضية الجنوبية مهما كانت عدالتها مادام لا توجد هناك مصالح له .. السؤال هنا – ماذا قدمت القيادات الجنوبية من مشاريع او على الأقل بوادر مصالح للدول الإقليمية والعظمى … بالأصح لم تقدم القيادات ابسط الأمور في هذا الخصوص … على العكس أظهرت القيادات بشتاتها وفشلها المتكرر ان القضية الجنوبية لا يمكن لها ان تخلق مصالح لتلك الدول او تأثر على مصالحها… فتركتها.

ثالثاً: لا شك ان القرار 2140 يعتبر تطور مفصلي بالنسبة للوضع العام في اليمن ومما لا شك فيه انه سيحدث تحول على ارض الواقع دعماً لمخرجات الحوار الوطني وما قد يترتب عليه … وهناك الكثير ممكن الحديث عنه بالنسبة لتأثير القرار على الوضع في اليمن لكن ذلك ليس موضوعنا في هذه الورقة.

 

الاستنتاجات

1. القرار لم يعترف بالقضية الجنوبية على الإطلاق بل اعتبر الحراك الجنوبي حركة مثلها مثل حركة الحوثي وحث الحراك على المشاركة في العملية الانتقالية في اليمن.

2. اكد القرار على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله الخ …

3. يرحب القرار بنتائج الحوار الوطني وكما نعلم ان النتائج تضمنت تقسيم الجنوب إلى إقليمين.

4. يهيئ القرار لاحتمالية قمع اي عمل جنوبي يركز على فرض الأمر الواقع في المناطق والمنشئات النفطية …الخ , مثلما هو قائم في حضرموت ويعطي الضوء الأخضر لصنعاء لاتخاذ التدابير المناسبة حولها وما قد يعنيه ذلك من قمع.

5. يدعم القرار التدابير التي تقوم بها صنعاء لإحلال الأمن في البلاد وهذا يعتبر ضوء أخضر ايضاً لصنعاء لقمع ثورة الجنوب تحت ذلك المبرر “القانوني” خاصة وأن وسائل الأعلام الجنوبية الغير مسئولة تتحدث عن ان هناك مقاومة جنوبية وكأن مهمتها أصبحت تبرير القمع ضد شعب الجنوب الذي كانت السلمية هيا سلاحه الذي أربك المحتل والذي كان أقوى من اي عمل ميداني في مثل هذه الظروف.

6. قرار مجلس الأمن 2140 اقر بالإجماع وذلك يؤكد اننا لا نملك حلفاء مثل ما يتحدث البعض ويقول بأن الدول العظمى بدأت تختلف فيما بينها حول مصالحها وكأن هناك من الدول العظمى من يدعم القضية الجنوبية.

7. قرر المجلس فرض عقوبات اقتصادية وعلى سفر من يعرقل العملية الانتقالية في اليمن … عندما توجد قيادة جنوبية حقيقية وفاعلة هل ستصنف بأنها معرقلة؟ اما بالنسبة للقيادات الحالية فهناك الكثير من ابناء الجنوب من يعتقد بأن مثل هذه الإجراءات ضد القيادات الحالية ستكون اكبر خدمة يمكن لمجلس الأمن ان يقدمها للقضية الجنوبية.

 

خلاصة

على شعب الجنوب ان يعي ان المرحلة لا تحتمل المزيد من الفشل وما اكده قرار مجلس الأمن 2140 كان قد تم التحذير منه قبل سنوات. ان قيادات الجنوب الحالية قد فشلت في تقديم القضية الجنوبية بالشكل الذي تستحقه قضية شعب وهوية وتاريخ وحولتها الى مجرد قضية حركة او جماعة والى يومنا هذا لا زالت هذه القيادات تكابر وتوهم الشارع الجنوبي بأن الأمور بخير … الأمور ليست بخير على الإطلاق.

على القيادات ان تفهم اننا عندما ننتقدها بهذا الشكل انما لمصلحة شعب الجنوب ومصلحتها ايضاً … اننا لا نطلب منها ان تعطينا شي بل نطلب منها ان تقبل مننا الكثير … ان تقبل مننا شرف ان تقود هذا الشعب العظيم … لماذا تتحسس هذا القيادات عندما نطلب منها ذلك؟ شي عجيب بالفعل ومحير.

 

الحل

ليس هناك من بديل غير تأسيس حامل سياسي ومنظومة شاملة لقيادة الثورة الجنوبية تشمل كل جوانب العمل التحرري من خلال تشكيل الدوائر المتخصصة لإدارة الثورة على كل الجبهات – ومن اهم ما يجب ان يحققه الحامل السياسي هو فرض واقع معين على الأرض إضافة الى السعي الى خلق بوادر لمصالح لدول الإقليم والعالم … حينها نستطيع ان نقول ان القضية الجنوبية ستتقدم نحو تحقيق أهدافها … اما اذا استمرت الأمور على واقعنا فلا يمكن للقضية الجنوبية ان تحقق ما تستحقه.

اسرع طريقة لتحقيق هذا الانجاز لا شك سيكون من خلال اتفاق القيادات الموجودة على الساحة حاليا فلها ان تختار اما ان تقبل بذلك او تعلن انها غير قادرة على ذلك وتسمح لشعب الجنوب ان يبحث عن بديل … ليس العيب ان يفشل الإنسان ولكن العيب ان يستمر على الفشل … ويدافع عنه…

المحامي صالح علي النود

شفيلد – بريطانيا.

1 مارس 2014