fbpx
في العمق .. حقائق لابد من طرحها (2)

 

“الجنوب وطناً يعيش فينا ، كما انه الوطن الذي نعيش فيه  ونسعى لتحريره واستعادة مجد دولته المستقلة ” .

عبارة نرددها كلما أردنا التعبير عن مدى مكانة وأهمية الثورة الجنوبية التحررية لدينا ، والساعية لنفض غبار الاحتلال البغيض والواقع الأليم الذي فرضه علينا في الجنوب .

وإنطلاقاً من ذلك الشعور الحريص على مستقبل ثورة شعب الجنوب نواصل طرح الحقائق بشكل لا ندعي قطعنا فيه بقدر ما هو رأي أطرحه كمتابع لما يحدث بين يدي شعب الجنوب ، مستقرئاً من خلاله جانب من الثغرات التي يجب أن لا يتفاجئ بها شعب الجنوب ونخبه فيما يخص مسار ثورته السلمية التحررية في مراحل زمنية قادمة ، ومن هذه الحقائق ما يلي :

  • ·       حقيقة إخفاق ثورة الجنوب أو انتصارها..!

لا اعني بتاتاً بلفظة الاخفاق هنا ” فشل الثورة الجنوبية ” بل أقصد بها القصور أو الوصول الغير مكتمل إلى هدف الثورة الجنوبية المتمثل بفك الارتباط لدولة الجنوب من الوحدة اليمنية ، خاصة وأن الثورات عادةً تنطلق من نقطة محددة وتشهد مراحلها تطورات هامة إيجاباً كانت تلك التطورات او سلباً ، وما يخص ثورة شعب الجنوب فهي لا تزال حتى اللحظة تشهد تطورات إيجابية كبيرة رغم كل ما تتعرض له من مؤامرات سياسية تحاك بدهاء خارق وما مرت عليها من كبوات داخلية كادت أن ” تصفر عداد ” الثورة الجنوبية التحررية وتصيبها في مقتل لولا أن إرادة الشعب الجنوبي كانت أكبر من كل التصورات والاحتمالات التي راهن عليها الكثير بأنها كفيلة بتراجع الثورة الجنوبية واضمحلالها .

اما فشل الثورة الجنوبية فهو أمر مستبعد ، كما لا يمكن ان تعاد الامور في الجنوب الى ما قبل إنطلاق ثورة الحراك الجنوبي عندما كان الجنوب خاضعاً صامتاً لنظام الغدر والخيانة ، مع أن الاحتلال يسعى لإعادة انتهاج ذلك الوضع بأشكال وصور أخرى .

ومن هنا فان كل المؤشرات تدل على إنتقال القضية الجنوبية إلى مستويات أعلى من مستوى الاحتلال اليمني ، رغم انه مستوى يشهد أنماطاً مختلفة من العمل السياسي الدولي البطيء أو الالتواءات والتدرجات التي تواجهها قضية شعب الجنوب العادلة التي لن تقبل أنصاف المخرجات السياسية كحلول جذرية  .

ولهذا فعلى شعب الجنوب ان يدرك حقيقة هامة وهي ان مرحلة الثورة الجنوبية قد تمتد لسنوات طويلة ، ومن الواقعي والمنطقي ان لا ينظر الشعب الجنوبي لثورته التحررية بنظرة السرعة والتحامل والقنوط ، كما لا يجب أن ينظر إليها بانها مجرد تحقيق مكاسب حقوقية جمعية كانت أو فردية بقدر ما هي ثورة وطن سليب ومحتل ومستقبل أجيال قادمة على واقع مهين وضياع مخيف ، ويجب ان يتغير هذا الواقع ويطرد الاحتلال اليمني من دولة الجنوب حتى لا يتكرر مشهد معاناة الاجيال القادمة في الجنوب والذي سيكون أسوئ وابشع مما جرى لابآءهم ومن سبقهم .

  • ·       حقيقة الفعل وردة الفعل في الثورات ..!

في الثورات التحررية الخالصة لا وجود لمسألة ” الفعل وردة الفعل ” ولكن ما يوجد فقط هي محطات ساخنة من التصعيد الثوري المستمر على أساس وخلفية سياسية منظمة وقيادة ليس بالضرورة أن تكون موحدة الموقف والسبيل بقدر ما تكون متفقة على الهدف الاستراتيجي والعمل المشترك إنطلاقاً من ” الثوابت الثورية والطنية ” .

وإضافة إلى الحقيقة السابقة فإن التصعيد الثوري لا يكون مجرد ردة فعل لشيء ما افتعلته سلطات الإحتلال او مجزرة إرتكبتها ، وهذا خطر يتهدد الثورة الجنوبية التحررية ، خاصة في المراحل القادمة ومجريات ما يحدث في صنعاء من حوار وطني قد تنتج عنه حلولاً يرفضها ثورة شعب الجنوب لكنها قد تفرض عليه دون أن يشعر بها كونها اشياء بديهية ، وقد يؤدي ذلك  إلى إنعدام الفعل الذي يجلب عادة ردة فعل ، ولهذا يجب ان ينجز مشروع سياسي وميداني للثورة الجنوبية التحررية تعتمد على الفعل الثوري والتصعيد المستمر ، ويحصن الثورة الشعبية بحاضن سياسي متين.

  • ·       القضية الجنوبية سياسية أم حقوقية ..؟

تصنيف القضية الجنوبية على انها قضية سياسية أو قضية حقوقية هي الحقيقة التي قد لا يدركها الكثيرون ، وبما  أن المجتمع الدولي والامم المتحدة لا تزال تنظر إلى ” القضية الجنوبية  ” باعتبارها  ” قضية حقوقية ” ناتجة من استمرار الانتهاكات والقمع من قبل سلطات صنعاء ، فإن رؤيتهم بالطبع تقوم على أساس أن إصلاح الوضع في الجنوب وايقاف الانتهاكات واستعادة الحقوق كفيلة بتهدئة الشارع الجنوبي ، وقد عبر عن ذلك أمين عام الامم المتحدة في زيارته لصنعاء قبل أشهر كما يعبر عن ذلك دائماً المبعوث الأممي جمال بن عمر وسفراء الدول الاوربية ، وخاصة أن غياب قيادة سياسية قوية للثورة الجنوبية التحررية في الخارج هو أمر خطير للغاية .

ومن هنا لابد من تصحيح تلك الفكرة لدى المجتمع الدولي والامم التحدة واقناعهم بأن قضية شعب الجنوب هي ” قضية سياسية  لها فصول حقوقية”، واذا تحقق انجاز ذلك فسيضمن الجنوب رؤية آخرى للأمم المتحدة تجاه ” القضية الجنوبية ” .

ما الذي يعيق إقناع العالم بهدف استقلال دولة الجنوب  ..؟

من المعروف ان ظروف معينة ومصالح اقتصادية وحسابات سياسية هي من تعيق إقتناع المجتمع الدولي ممثلاً بالامم المتحدة بالاعتراف بثورة شعب الجنوب الهادفة لإنجاز فك الارتباط لدولة الجنوب من عقد الوحدة اليمنية .

ومع ان دولاً كثيرة مقتنعة ذاتياً بحق شعب الجنوب في استعادة دولته إلا أنها تشعر ان موقفها يجب ان يكون من موقف الامم المتحدة ، فيما بعضها تبذل جهوداً لمحاولة تقويض هذا الهدف الذي ينشده شعب الجنوب من خلال إيهامها للامم المتحدة بان هناك قيادات جنوبية متفاعلة مع رؤاها وسقوفها المنخفضة والبعيدة عن مطلب شعب وثورة الجنوب ، حتى انها قامت بمحاولة إضفاء صفة القيادة والشرعية لشخصيات جنوبية لا صلة لثورة شعب الجنوب بها من خلال قبولها بالدخول في شرك التسوية السياسية لقضايا السلطة الحاكمة في صنعاء ، وهو ما يصيب الامم المتحدة بضبابية ، خاصة مع وجود بعض القيادات الجنوبية تمسك العصا من الوسط فكما أنها ترفض دخول الحوار اليمني إلا انها لم تؤمن بهدف التحرير والاستقلال الذي تنشده جماهير شعب الجنوب وثورتهم السلمية .

ومن الواجب اليوم ان تكون قيادات الجنوب جميعها عند مستوى المسئولية التأريخية ، وعدم التفريط بثورة الجنوب ودماء شهداءها التي ما من بقعة في الجنوب إلا وروته ، وعليهم ايضاً إدراك الواقع السياسي والفهم العميق المتمثل بالدراسة عن كثب لموقف المجتمع الدولي والامم المتحدة ، واقتناص الفرصة السانحة اليوم من خلال ارتفاع مستوى القضية الجنوبية لقلب موازين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وطرح مشروع فك الارتباط واستعادة دولة الجنوب بقوة كونه حق قانوني وتاريخي مدعوم بثورة شعبية عارمة ، ويمكن ان يتم ذلك من خلال إرسال وفد إلى الأمم المتحدة وقيامه كذلك بجولات لدول أوروبية وخليجية لشرح وطرح ماهية ” القضية الجنوبية ” ، وصنع تقارب بين المجتمع الدولي وثورة شعب الجنوب الناتجة من قضية سياسية بحته نشأت من فشل الوحدة اليمنية بين الدولتين ويجب أن تحل باستعادة كلاً منهما لوضعها السياسي والتنظيمي بناءً على وقائع تاريخية أو حق تقرير المصير لشعب الجنوب أوغيرها الكثير من المداخل القانونية الدولية .

( في العدد القادم حقائق وكواليس الحوار اليمني )